فما هو موقف الإسلام من هذه الضرورة؟
إنها لمن دواعي الاستغراب أن تكون (الضرورة) و (سنة الله في خلقه) هي مفترق الطرق بين المسلمين!
هل تفاعل الإسلام ـ كدين ومنهج للحياة ـ مع هذه الضرورة ، سنة الله في خلقه؟!
الإسلام الذي تشعبت أحكامه وتشريعاته حتى استوعبت الجزئيات الصغيرة في حياة الإنسان ، هل نتوقع أنه أهمل أول الضرورات وأهمها ، ضرورة حفظ المجتمع وحفظ الدين وإقامة حدوده وأحكامه؟!
إن فريقا كبيرا منا يقول : نعم ، أهمل الإسلام ذلك.
عندئذ أوقف هذا الفريق نفسه أمام الحاجة الملحة إلى ملء هذا الفرغ الكبير في النظام الإسلامي.
فالإسلام الذي أخذ على عاتقه تنظيم حياة بني الإنسان كافة إلى يوم القيامة سيأتي بفراغ كبير حين لا يقدم جوابا محددا لأول أسئلة الحياة والمجتمع والشريعة (٤).
وأمام هذه الحاجة الملحة قالوا : نعم ، إن الإسلام قد ترك هذا الأمر للأمة ، تختار لنفسها ما تراه الأصلح لحفظ نظامها وحفظ الشريعة ، فعندئذ لا يعد هذا إهمالا.
وهنا يتصدر سؤال جديد ، يقول : ما هي الضوابط اللازم توفرها لضمان شرعية ما تختاره الأمة؟!
فمن البديهي أن «نظام الحكم» موضوع مشترك بين الإسلام وغيره من الأنظمة ، سماوية كانت أو أرضية ، إنما الذي يميزه عن غيره هو هذه النسبة
__________________
(٤) وهذا الفراغ هو الذي دفع الشيخ علي عبد الرزاق أن ينفي أي صلة للدين الإسلامي بالسياسة والدولة المدنية. علي عبد الرزاق / الإسلام وأصول الحكم : الكتاب الثالث.