إنه يقول : «من عاد لمثلها فاقتلوه»!! (١٦).
وفي هذا وحده دليل كاف على إلغاء صفة الشرعية عن تلك البيعة ، فإنما هي بيعة ساقتهم إليها الأحداث ، فلا يصح العودة لمثلها بحال.
وهكذا دافع عنها أبو علي الجبائي والقاضي عبد الجبار ، فقالا : إن الفلتة ليست هي الذلة والخطيئة ، وإنما تعني البغتة من غير رؤية أو مشاورة ، ويقصد عمر بقوله «من عاد إلى مثلها فاقتلوه» أن من عاد إلى الطريقة التي تمت بها البيعة لأبي بكر من غير مشاورة أو عذر ولا ضرورة ، ثم طلب من المسلمين البيعة ، فينبغي قتله (١٧).
هذا ما كان يعرفه الصحابة وكثير غيرهم عن تلك البيعة إذن ...
أما عامة المتأخرين فكأنهم قد عز عليهم أن ينظروا إليها بتلك النظرة ، فأضفوا عليها صبغة الشورى ليجعلوا منها ـ في ثوبها الجديد ـ الوجه الشرعي الأول في اختيار الخليفة.
ولم يكتف بعضهم بهذا القدر حتى أضفى عليها صبغة الإجماع ابتداء ، كما فعل ابن تيمية! (١٨).
غير أنها دعوى لا يؤيدها شئ من النقل الصحيح ، بل حتى غير الصحيح ، فليس في شئ من أخبار تلك البيعة ما يشير إلى ذلك الإجماع من قريب أو بعيد.
والذي دعا ابن تيمية إلى هذا هو عقيدته في شرط صحة البيعة ، إذا كان يرى ـ وفقا للمذهب الحنبلي ـ أنه يشترط لصحة البيعة اجتماع جمهور أهل
__________________
(١٦) الملل والنحل ١ / ٣٠ ، شرح المواقف ٨ / ٣٥٨.
(١٧) المغني ٢٠ / ٣٤٠ ، وعنه الدكتور مصطفى حلمي / نظام الخلافة بين أهل السنة والشيعة : ٤٦.
(١٨) أنظر : منهاج السنة ـ لابن تيمية ـ ٣ / ٢١٥ و ٢١٧ و ٢١٨.