إنها نظرية تبرير الأمر الواقع وإضفاء الشرعية عليه ، والدافع الوحيد إلى هذا التبرير هو إعفاء الصحابة من تهمة العمل في هذا الأمر الخطير بدون دليل من الشرع ، وإعفاؤهم مما ترتب على ذلك من نتائج.
لأجل هذا ظهر في هذه النظرية من التكلف والتعسف ما لا يخفى ، ومن ذلك :
١ ـ إن أيا من هذه الوجوه الثلاثة لا يستند إلى دليل شرعي البتة ، ولم يكن يعرفه حتى فقهاء الصحابة قبل ظهوره على الواقع. ومن هنا طعن ابن حزم هذه الوجوه كلها كما تقدم.
٢ ـ إن مبدأ الشورى المذكور في الوجه الأول والمأخوذ من بيعة أبي بكر لم يكن قد تحقق في تلك البيعة ، وليس لأحد أن يدعي ذلك بعد أن وصفها عمر ـ في خطبته التي رواها البخاري وغيره وأصحاب السير ـ بأنها كانت فلتة ، عن غير مشورة!
ولم يكن هذا قول عمر وحده ، بل كان يقينا في أذهان الصحابة وعلى ألسنتهم ، لذا قال بعضهم : لئن مات عمر لأبايعن لفلان ، فما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة.
فلما بلغ عمر ذلك لم ينكره بل أكده ، فقال : «لا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا إنها قد كانت كذلك ، ولكن وقى الله شرها» (١٥)!
وشتان بين الشورى والفلتة!
والغريب أن عمر قد نهى عن تكرار مثل تلك البيعة ، وحذر من العودة لمثلها تحذيرا شديدا خشية أن يكون عاقبتها القتل ، «فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا».
__________________
(١٥) صحيح البخاري ـ كتاب الحدود ٨ / ٣٠٢ ح ٢٥ ، مسند أحمد ١ / ٥٦ ، سيرة ابن هشام ٤ / ٣٠٨ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٠.