إعذار السلف :
لا شك أنه مبدأ حسن وجذاب ، فمن الجميل المستحسن أن نذكر سلفنا المتقدم بكل بخير ، ونعرف لهم حقوقهم ، ونذب عنهم ما وجدنا إلى ذلك سبيلا.
لكن الحق أن الناظر إلى هذا المبدأ بتجرد لا يراه إلا مبدأ متهافتا قد صيغ أصلا لتبرير الواقع ومعارضة الخصوم ..
فمثلا : حين كان ينبغي لهذا المبدأ أن يتسع للسلف الصالح قاطبة ، نراه قد توجه توجها منحازا إلى الفئة المتنفذة وصاحبة القرار السياسي ... فلا يتردد أصحاب هذا المبدأ في صب اللوم على رجال من كبار الصحابة حين أظهروا خلافا ، أو أبدوا رأيا معارضا للخلافة في بعض عهودها ، دون أن يراعى فيهم مبدأ «إعذار السلف».
فيقع اللوم على المقداد وعمار حين تكلما في أمر الخلافة بحجة أنهما ليسا من قريش فلا يحق لهما التدخل في اختيار الخليفة ، فهذا الأمر من حق قريش وحدها!
ولكن حين تدخل فيه سالم مولى أبي حذيفة أصبح سالم معدودا في أهل الحل والعقد الذين تنعقد بهم البيعة!
هذا ، ولم يكن سالم قرشيا! بل لم يكن عربيا أيضا!!
والسر في هذا التناقض أن سالما كان أحد الخمسة الذين انعقدت بهم البيعة لأبي بكر ، بينما كان المقداد وعمار يدعوان إلى حق علي عليهالسلام في الخلافة.
ولما نجمت الخلافات أيام عثمان ، كان ينصب اللوم على عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار وعبادة بن الصامت ومحمد بن أبي حذيفة وعمرو بن الحمق الخزاعي دون خصومهم.