لكن هذا المجرى لم يمض مطردا ، بل توقف عن دورته هذه مرة ، وفي مرحلة واحدة من مراحل الخلافة .. فلم يكن الصحابة الذين أظهروا خلافا على علي عليهالسلام ـ في عهد خلافته ـ محل لوم وتعنيف ، بل ولا محل عتاب!
ففي هذا العهد وحده فتح مبدأ إعذار السلف بابه على مصراعيه ، فخصوم علي عليهالسلام كانوا دائما مجتهدين مأجورين على خلافهم ذاك حين أخطأوا في الاجتهاد! وكل ما ثبت عنهم من الخلاف فلا بد أن «يستنبط له تأويلا ، فما تعذر عليك تأويله ، فقل : لعل له تأويلا وعذرا لم أطلع عليه»!! (٣٨).
وهكذا مع من قاتل عليا عليهالسلام من الصحابة جميعا ..
فمعاوية ومن معه مخطئون ، مجتهدون ، مأجورون أجرا واحدا (٣٩) ، حتى وإن تواتر الحديث «من كنت مولاه فعلي مولاه»!
وحتى مع أبي الغادية قاتل عمار ، رغم أنه قد صح الحديث في عمار «قاتله وسالبه في النار»! (٤٠).
يقول ابن حزم : «فأبو الغادية رضياللهعنه متأول مجتهد مخطئ فيه ، باغ عليه ، مأجور أجرا واحدا»!! (٤١).
لكن الأمر مع خصوم عثمان مختلف تماما!! يقول ابن حزم : «وليس هذا كقتله عثمان ، لأنه لا مجال للاجتهاد في قتله»!! (٤٢).
__________________
(٣٨) النص للإمام الغزالي في كتابه : الاقتصاد في الاعتقاد : ١٥٣.
(٣٩) الفصل ٤ / ١٦١ و ١٦٣ ، الاقتصاد في الاعتقاد : ١٥٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٩٠.
(٤٠) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٦١ ، أسد الغابة ٤ / ٧٤ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤٢٠ و ٤٢٥ و ٤٢٦. مجمع الزوائد ٩ / ٢٧٩ وقال : رجاله رجال الصحيح.
(٤١) الفصل ٤ / ١٦١.
(٤٢) الفصل ٤ / ١٦١.