وجاوز بعضهم الحد فعكس اتجاه دوران هذا المبدأ «إعذار السلف» في عهد علي عليهالسلام بمقدار مئة وثمانين درجة عن اتجاهه في العهود السابقة ، فصار اللوم يقع هنا على الخليفة الحاكم ، لا على مخالفيه! فابن تيمية يرى أن عليا عليهالسلام لم يكن على شئ! لأنه إنما كان يقاتل على الملك ، ولأجل أن يطاع هو ، ولم يكن يقاتل لله! (٤٣).
حتى إذا انقضى عهد علي عليهالسلام عاد مبدأ إعذار السلف يستأنف دورته الأولى ، فكل من أظهر خلافا على الخلفاء فهو صاحب فتنة! فلا الحسين السبط كان معذورا ، ولا مئات المهاجرين والأنصار من أهل المدينة المنورة كانوا معذورين في خلافهم ليزيد! (٤٤).
هذا هو مبدأ إعذار السلف ، يظهر مرة ، ويختفي مرة ، وينتقل من موقع إلى موقع ، دفاعا عن الواقع التاريخي النافذ ، لا دفاعا عن السلف.
وهكذا يبدو بما لا يدع مجالا للشك أن هذه النظريات إنما استمدت أصولها وتفاصيلها من الواقع التاريخي للنظام السياسي الذي ظهر بعد وفاة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وحتى بدايات العهد الأموي.
لقد أقصي التشريع الإسلامي هنا عن رسم مسار الإسلام بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيما أسند هذا الأمر كليا إلى الواقع التاريخي.
فهل كان التشريع الإسلامي مفتقرا للمبادئ التي تساهم في تحديد مسار الإسلام؟!
الإسلام وضرورة النظام :
يتفق المسلمون على أن الإسلام لم يكن مجرد طقوس عبادية ومآثر أخلاقية يتعاطاها الأفراد ، بل هو نظام حياة شامل قد استوعب أحكام
__________________
(٤٣) منهاج السنة ٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٥ و ٢٣٢ ـ ٢٣٣.
(٤٤) منهاج السنة ٢ / ٢٤١ ـ ٢٤٢ و ٢٥٣.