الواقع بعد غياب الرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا شئ من الكتاب والسنة!
لكن هذا الرأي يواجه سؤالا شديد الإحراج : فهل يصح لهذه الشريعة أن تغفل أولى ضرورات النظام وحفظ المجتمع ، ثم تكون هي شريعة الإنسان إلى يوم الدين؟!
لقد أظهر الغزالي بعبارة واضحة رده للرأي المتقدم ، فقال : لسنا نكتفي بما فيه من إجماع الأمة ، بل ننبه على مستند الإجماع ، ونقول : نظام أمر الدين مقصود لصاحب الشرع عليهالسلام قطعا ، وهذه مقدمة قطعية لا يتصور النزاع فيها ، ونضيف إليها مقدمة أخرى : وهو أنه لا يحصل نظام الدين إلا بإمام مطاع. فيحصل من المقدمتين صحة الدعوى ، وهو وجوب نصب الإمام (٤٨).
وهنا يبدو السؤال أكثر وضوحا ، فإذا كان نظام أمر الدين مقصود صاحب الشريعة صلىاللهعليهوآلهوسلم قطعا ، وهذا النظام لا يحصل إلا بإمام مطاع ، فكيف نظن بصاحب الشريعة صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يترك مقصوده عرضة للضياع؟!
لقد رأى بعضهم أن هذا الإجماع على وجوب نصب الإمام لم يكن مؤيدا بمقصد صاحب الشريعة وحسب ، بل بنصوص من القرآن والسنة أيضا ، فقالوا : الإمامة واجبة سمعا ، لقوله تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (٤٩) وطاعة أولي الأمر تقتضي وجوب نصبهم وإقامتهم ، فأولي الأمر هم الأئمة المتأمرون (٥٠).
وزاد ابن حزم على ذكر الآية الشريفة فقال : مع أحاديث كثيرة في طاعة
__________________
(٤٨) الاقتصاد في الاعتقاد : ١٤٧.
(٤٩) سورة النساء ٤ : ٥٩.
(٥٠) الأحكام السلطانية ـ للماوردي ـ : ٥.