عن محتواها ، فطعنت إذن في تلك القاعدة الأساسية المفترضة «قاعدة الشورى».
والحق أن هذه القاعدة معطلة من قبل .. فلم يكن أبو بكر مؤمنا بمبدأ الشورى قاعدة للنظام السياسي وأصلا في انتخاب الخليفة ، ولا مارس ذلك بنفسه ، بل غلق دونها الأبواب حين سلب الأمة حق الاختيار وممارسة الشورى إذ نص على عمر خليفة له ، ولم يصغ إلى ما سمعه من اعتراضات بعض كبار الصحابة على هذا الاختيار.
علما أن هؤلاء الصحابة المعترضين لم يعترضوا على طريقة اختيار الخليفة التي مارسها أبو بكر ، ولا قالوا : إن الأمر ينبغي أن يكون شورى بين الأمة ، ولا احتج أحدهم بقوله تعالى : (وأمرهم شورى بينهم) ، وإنما كان اعتراضهم على اختياره عمر بالذات ، فقالوا له : استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلا بهم؟! وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك! (٦٢).
فلا كانت خلافة أبي بكر فقد تمت وفق مبدأ الشورى ، ولا خلافة عمر ، ولا خلافة عثمان كما رأينا تفاصيلها ، ولا كان الصحابة قد احتجوا بهذا المبدأ في عهد من العهود.
فإذا تجاوزنا عن خلافة أبي بكر وقلنا ما قاله عمر فيها : «إنها فلتة وقى الله شرها» فماذا يقال في خلافة عمر؟!
لو كان الخليفتان يعتقدان بأن مبدأ الشورى هو الأصل في انتخاب الخليفة لما حصل من ذلك شئ ، ولدعوا الصحابة للتشاور في الأمر تشاورا حرا ، لكن الذي حصل من نص أبي بكر على عمر ، وقبول عمر بذلك ، ثم تمنيه في عهده أن لو كان أبو عبيدة ، أو سالم ، أو معاذ حيا ، كل ذلك ليدل
__________________
(٦٢) الكامل في التاريخ ٢ / ٤٢٥.