إذن قبولها على هذه الصورة ألا يستدعي السعي الدائم لإزاحتها وإرجاع الأمر إلى صيغته الشرعية؟
هذا ما ذهب إليه الشيخ محمد رشيد رضا وقد استعرض هذه الآراء ، فقال : معنى هذا أن سلطة التغلب كأكل الميتة ولحم الخنزير عند الضرورة ، تنفذ بالقهر ، وتكون أدنى من الفوضى!
ومقتضاه أنه يجب السعي دائما لإزالتها عند الإمكان ، ولا يجوز أن توطن الأنفس على دوامها ، ولا أن تجعل كالكرة بين المتغلبين يتقاذفونها ، ويتلقفونها كما فعلت الأمم التي كانت مظلومة وراضية بالظلم (٧٥).
لكن الواقع كان على العكس من ذلك ، فقد حرموا دائما الخروج على السلطان الجائر والفاسق ، وعدوا أي محاولة من هذا القبيل من الفتن التي نهى عنها الدين وحرم الدخول فيها ..
يقول الزرقاني : أما أهل السنة فقالوا : الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عادلا محسنا ، فإن لم يكن فالصبر على طاعة الجائر أولى من الخروج عليه ، لما فيه من استبدال الخوف بالأمن ، وإهراق الدماء ، وشن الغارات ، والفساد ، وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه! (٧٦).
كما ثبت عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال : «الصبر تحت لواء السلطان على ما كان منه من عدل أو جور ، ولا يخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا» (٧٧).
استعرض الشيخ أبو زهرة هذين القولين ، ثم قال : وهذا هو المنقول عن أئمة أهل السنة ، مالك ، والشافعي ، وأحمد (٧٨).
__________________
(٧٥) الخلافة : ٤٥ ، عنه : نظام الحكم والإدارة في الإسلام : ١٢٦.
(٧٦) شرح الموطأ ٢ / ٢٩٢ ، عنه : المذاهب الإسلامية : ١٥٥.
(٧٧) المذاهب الإسلامية : ١٥٥.
(٧٨) المذاهب الإسلامية : ١٥٥.