فصل
ومما يثبت القول ببطلان حديث تبشير العشرة بالجنة ما رواه الشيخان والنسائي عن سعد بن أبي وقاص ، قال : ما سمعت النبي صلىاللهعليهوآله وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن. سلام.
قلت : فهذا سعد ـ وهو أحد العشرة المذكورين في حديث التبشير ـ قد شهد بأنه لم يسمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يبشر أحدا بالجنة سوى عبد الله بن سلام ، لكنا نعلم أن قوله هذا لا يصح على إطلاقه ، إذ قد استفاضت النقول بتبشير جماعة من خيار الصحابة بالجنة ـ كما تقدم طرف من ذلك في أوائل هذا الإملاء ـ إلا أن القدر المتيقن من كلامه أنه لم تقع البشارة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لجميع أولئك العشرة لا سيما على النحو المذكور في حديث الترجمة ، وإن قطعنا بوقوعه لبعضهم في موطن آخر كتبشيره عليه وآله الصلاة والسلام أمير المؤمنين عليا عليهالسلام وأهل بيته الكرام بالجنة ، وإخباره بأنه ساقي الحوض وصاحبه عليه وغير ذلك مما دل على هذا الأمر بالمطابقة أو الالتزام ، فتبين أن حديث العشرة المبشرة والشهادة لهم بالجنة لم يكن يعلم به أحد من المبشرين أنفسهم ، وإنما هو من الموضوعات المختلقة على عهد بني أمية ، وضعوه على لسان بعض الصحابة.
ومن ثم أحرج المتعبدون به وأشكل الأمر عليهم ، فاضطروا إلى تأويله بوجوه باردة ، وحمله على محامل فاسدة.
منها : أن سعدا كره تزكية نفسه لأنه أحد العشرة المبشرة بالجنة.
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (١٣٥) : وتعقب بأنه لا يستلزم ذلك
__________________
(١٣٥) فتح الباري ٧ / ١٦١.