* وأما حديث تبشير العشرة ، فإنه مع كونه غير قابل لتخصيص هذا العموم ، لما عرفت من حقيقة أمره ، وظهر لك من مكنون سره ، فهو داخل في عموم النفي دخولا أوليا ، إذ لا قرينة على إخراجه عن العموم ، مضافا إلى أن مدعي النفي على وجه العموم ـ أعني سعدا ـ لم يستثن أحدا منه ـ ولا نفسه على الأقل ـ سوى عبد الله بن سلام ، واستثنينا نحن بعض المبشرين بدليل قطعي ، فيبقى الباقي على عمومه ، والله الموفق والمعين ، وهو المرشد للصواب.
ومنها : ما استظهره شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري» (١٤٥) : من أن سعدا قال ذلك بعد موت المبشرين ، لأن ابن سلام عاش بعدهم ولم يتأخر معه من العشرة غير سعد وسعيد.
قال : ويؤخذ هذا من قوله : «يمشي على وجه الأرض». انتهى.
قلت : وهذا أيضا لا يزيل من الإشكال شيئا ، بل يزيده قوة إلى قوته ، فلو سلمنا له أن ابن أبي وقاص قال ذلك بعد موت أكثر المبشرين فلقد كان هو وسعيد بن زيد حيين يمشيان على وجه الأرض ، كما اعترف بذلك ـ وهما من جملة المبشرين العشرة بزعمهم ـ فكيف ساغ لسعد أن ينفي تبشير النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأحد من الصحابة ممن كان حيا في زمانه إلا لعبد الله ابن سلام؟! فما ذكره في التأويل تخرص ومجازفة بلا دليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
ومما قررنا ينكشف لك أن حديث تبشير العشرة بالجنة زخرف من القول ، ليس له أصل ، فلا تغرنك كثرة طرقه ، ولا تهولنك وفرة أسانيده وشهرته ، فلرب مشهور لا أصل له ، فعليك ـ يرحمك الله ـ بسبر غور الأحاديث لا سيما ما كان منها من هذا النمط ـ والتنقيب عن حقيقتها وكنهها ، والوقوف على
__________________
(١٤٥) فتح الباري ٧ / ١٦١ ـ ١٦٢.