بعد هذا كله تتجلى الحقيقة التي تقول : إن الرجوع إلى النص ، لم يحدث إلا في وقت متأخر ، فحينما قال الشيعة بولاية علي ونص النبي عليه ، التمس أهل السنة من إشارات النص ما ينبئ بخلافة أبي بكر (٧٨).
لكن لما كانت هذه النظرية قائمة أساسا على تبرير الأمر الواقع الذي تحقق بعد الرسول (ص) فهي لم تبحث عن النصوص بحثا موضوعيا لغرض الوقوف على النصوص الصحيحة قطعا والتي تفيد فائدة حقيقية في تعيين خلفاء الرسول ، وإنما ذهبت تفتش عن نصوص تسند ذلك الواقع التاريخي ، وتضفي عليه سمة الشرعية! فحين لم تجد ما يسعفها في ذلك راحت تتلمس غايتها وراء النصوص ، بغض النظر عن سلامة أسانيدها وضعف دلالاتها!
ومهما كان ، فإن هذه المحاولات تصطدم مرة أخرى بعقبة كؤود :
فلم يثبت عن أحد من الصحابة أنه ادعى النص على أبي بكر ، بل الثابت عنهم هو العكس تماما ، كما ثبت عن عمر حتى آخر حياته ، وكما ثبت حتى عن عائشة التي نسبوا إليها بعض النصوص المتقدمة ، فقد نقلوا عنها شهادتها بأن النبي (ص) لم يستخلف! فقالوا لها : من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف؟ فقالت : أبا بكر. قالوا : ثم من؟ قالت : عمر. قالوا : ثم من؟ قالت : أبا عبيدة (٧٩).
ولا يخفى أيضا أن هذا الترتيب هو الترتيب الذي أفرزته السقيفة ، وتتابع عهود الخلافة : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم تمني عمر لو كان أبو عبيدة حيا
__________________
(٧٨) د. أحمد محمود صبحي / نظرية الإمامة : ٣٧ ، د. مصطفى حلمي / نظام الخلافة : ٣٩ ، البيومي / الإمامة وأهل البيت ١ / ١٧١ عن الجويني / الغياث : ٢٩ ـ ٣٠.
(٧٩) صحيح مسلم ـ فضائل الصحابة ح ٩.