ويبرهن للناس على علمه التفصيلي الدقيق بالسنة ، كما هو في الكتاب ، في خطاب يأخذ بمجامع القلوب ، ما سمع الناس نظيرا له من صحابي غيره قط ، فيقول : (وخلف ـ نبيكم ـ فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها إذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح ولا علم قائم : كتاب الله (١) ، مبينا : حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله (٢) ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وأمثاله ، ومرسله ومحدوده (٣) ، ومحكمه ومتشابهه .. مفسرا مجمله ، ومبينا غوامضه ..
بين مأخوذ ميثاق علمه ، وموسع على العباد في جهله .. وبين مثبت في الكتاب فرضه ، ومعلوم في السنة نسخه .. وواجب في السنة أخذه ، ومرخص في الكتاب تركه .. وبين واجب بوقته وزائل في مستقبله ..
ومباين بين محارمه : من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه .. وبين مقبول في أدناه موسع في أقصاه) (٤).
هذه أبواب من السنن فتحت على علوم جمة توفر عليها ، مع بصيرة لا يخشى عليها لبس ولا توهم.
فهذه صورة عن علمه الشمولي والتفصيلي بالسنة ، تلك المرتبة التي لا يشاركه فيها أحد من الصحابة ، ومن هنا اشتهر عن تلميذه ابن عباس قوله : أعطي علي تسعة أعشار العلم ، وإنه لأعلمهم بالعشر الباقي! (٥).
البعد الثاني : منهجه في التعامل مع السنة .. والمنهج هو الذي
__________________
(١) أي خلف فيكم كتاب الله.
(٢) الفضائل : المستحبات والنوافل.
(٣) المرسل : المطلق .. والمحدود : المقيد.
(٤) نهج البلاغة : خ / ١ ، وانظر مصادر نهج البلاغة وأسانيده ١ / ٢٩٥ ـ ٢٩٧.
(٥) طبقات الفقهاء : ٤٢.