فقد قرأتُ لشيخنا أبي العباس المبرّد ـ رحمه الله ـ ما أحكيه ؛ قال : الذي ثبت عندنا عن الخليل أنه قال : مخارج حروف الحلق ثلاثة : فالأول مخرج الهمزة والهاء ، والثاني مخرج العين والحاء ، والثالث مخرج الغين والخاء. فإِنْ كان تقديمه العين من أجل أنها توسَّطت المخرجين ولحقتْ بالطرفين فهو حَسَن ، وإِلَّا فلا معنى لإِيثار تقديم العين. هذا آخر ما قاله.
ونحن نقول ـ وبالله التوفيق ـ :
إِن الهمزة والهاء وإِنْ كان لهما التقدُّم في المخرج على اخواتهما من الحروف الحلقية ؛ فإِنَّ الخليل إِنما عدل عن الابتداء بهما لأنَّ الهمزة مَهْتوتة مضغوطة ؛ فإِذا رُفِّهَ عنها لَانتْ فصارت ياءً أو واواً أو ألفاً ، وهذه طريقة تخالف طرق الحروف الصحيحة (١٤). ثم انه يتسلَّط عليها من نقل الحركات عنها والانقلاب والحذف مثل ما يتسلَّط على حروف العلَّة أو أكثر ، حتى عُدَّ مِن جملتها. والهاء أيضاً فيها هَتَّةٌ (١٥) وخفاء ، وقد حُذِفتْ من الطرف حَذْفَ حروف المدِّ واللين وزيدتْ زيادَتها وتُبْدَل من الهمزة وتشركها في كونهما (١٦) من الدرجة الاولى. فلمّا كان كذلك عدل عنهما إِلى العين. ويقوّي الابتداء بها أيضاً أنها ـ مع كونهما على ما وصفنا ـ أنصع الحروف جَرْساً وأَلذُّها سماعاً ، حتى لا تدخل في بناءٍ إِلّا حسَّنَتْه ، ولذلك كثر ترددها في كلامهم ، حتى لا بابَ أكبر من العين.
قال الخليل : وإِنما بدأنا [الأبنية](١٧) بالمضاعَف لأنه أخفُّ على اللسان وأَقربُ مأخذاً للمتفهِّم ، إِنْ شاء الله.
__________________
(١٤) العين : ١ / ٥٢.
(١٥) العين : ١ / ٥٧. والهت : شبه العصر للصوت.
(١٦) في الأصل : «كونها» وما أثبتناه من ك ، والضمير يعود على الهمزة والهاء.
(١٧) زيادة من العين : ١ / ٦٠.