بسم الله الرّحمن الرّحيم
(ربّ يسّر وأعن)
الحمد لله الذي فتق ألسن العرب العاربة بالفصاحة فكانت تجري بذلك ولا تجارى ، ومنحهم الافهام القويمة التي فضلوا بها على من سواهم من اليهود والمجوس والنصارى ، وفتح أذهانهم لاستخراج المعاني الدقيقة فلم تكن تخفى عليهم ولا تتوارى ، وتمم فخرهم بأن أرسل منهم نبيا ، وأنزل عليه كتابا عربيا لا تدانيه الكتب مقدارا. فقمع بسيفه الملحدين ، وشرع لأتباعه حدود الدين ، ورفع له منارا ، صلّى الله وسلم عليه وعلى آله أقرباء وأصهارا ، وأصحابه مهاجرا وأنصارا.
وبعد :
فإن لنا حاشية على مغنى اللبيب لابن هشام مسماة بالفتح القريب ، أودعتها من الفوائد والفرائد ، والغرائب والزوائد ، ما لو رامه أحد غيري لم يكن له الى ذلك سبيل ولا فيه نصيب ، وكان من جملة ذلك شرح ما فيه من الشواهد على وجه مختصر ، مع التعرّض لأمور فيها ، لم يذكرها من كتب عليه لاحتياجها الى سعة الاطلاع وكثرة النظر ؛ ثم خطر لي أن أفرد الكلام على الشواهد فشرعت في كتاب بسيط وجامع محيط أورد فيه عند كل بيت القصيدة بتمامها ، وأتبعها بفوائد ولطائف يبهج الناظر حسن نظامها. فرأيت الأمر في ذلك يطول ، والانسان كثير السآمة ملول ، بحيث أني قدّرت تمام ذلك في أربع مجلدات ، فعدلت الى طريقة وسطى عن تلك الطريقة الأولى ، مع ضمان الفوائد التي لا يستطيعها إلا ذو يد طولى ، فأورد أولا البيت المستشهد به ، ثم أتبعه بتسمية قائله والسبب الذي لأجله قيلت القصيدة ، ثم أورد من القصيدة أبياتا أستحسنها إما لكونها مستشهدا بها في مواضع أخر من الكتاب فاوردها ليعلم أن الجميع من قصيدة واحدة ، أو لكونها مستشهدا بها في غيره من كتب العربية والبيان ، أو لكونها مستعذبة النظر مستحسنة