كلها ، ويحقق معنى النظام واحترام الوقت. وأضيف العهد إلى الله من حيث أمر بحفظه والوفاء به.
والسبب في جعل خاتمة الآية الأولى بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وخاتمة الآية الثانية بقوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) : هو كما أوضح الرازي أن المحرّمات الخمسة المذكورة في الآية الأولى (وهي الشرك ، وعقوق الوالدين ، وقتل الأولاد ، وقربان الزنى ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق) أمور ظاهرة جلية القبح ، فنهاهم الله عنها ، لعلهم يعقلون قبحها ، فيتركوها. وأما التكاليف الخمسة المذكورة في الآية الثانية (وهي حفظ مال اليتيم ، وإيفاء الكيل والميزان ، والعدل في القول في الأحكام والشهادات ، والوفاء بالعهد) فهي أمور خفية غامضة ، وكانوا يفعلونها ويفتخرون بالاتصاف بها ، فأمر الله تعالى بها لعلهم يذكرون إن نسوها ، وليجتهدوا ويفكروا فيها ليقفوا على موضع الاعتدال.
وقال أبو حيان : كرر الوصية على سبيل التوكيد ، ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف ، وقد أمر الله سبحانه باتباعه ، ونهى عن اتباع غيره من الطرق ، ختم الآية الثالثة بالتقوى التي هي اتقاء النار ؛ إذ من اتبع صراطه نجا النجاة الأبدية ، وحصل على السعادة السرمدية (١).
قال ابن عطية : ومن حيث كانت المحرّمات الأول لا يقع فيها عاقل قد نظر بعقله ، جاءت العبارة : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) والمحرّمات الأخر شهوات ، وقد يقع فيها من العقلاء من لم يتذكر ، فجاءت العبارة : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). وركوب الجادة تتضمن فعل الفضائل ، وتلك درجة التقوى ، فجاءت العبارة : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وأما آية (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) فأرشدت إلى أن كل ما بيّنه
__________________
(١) البحر المحيط : ٤ / ٢٥٤