وقوله تعالى : (وَما كُنَّا غائِبِينَ) يدل على وجود المراقبة والمشاهدة الإلهية لأعمال الخلائق.
والخلاصة : هذه الآية تثبت وجود السؤال والحساب لكل العباد يوم القيامة.
وأرشدت الآية الثانية إلى وزن أعمال العباد بالميزان ، وهو الحق لخبر جابر المتقدم ، وقيل : وزن صحائف أعمال العباد ، قال القرطبي : وهذا هو الصحيح. والمراد من الميزان في قول مجاهد والضحاك والأعمش : العدل والقضاء ، والمراد به في رأي الجمهور : الميزان الحقيقي لإظهار علم الله تعالى بأعمال عباده وعدله في حسابهم وجزائهم عليها ، فمن رجحت حسناته على سيئاته فهو من الناجين ، ومن رجحت سيئاته على حسناته ، فهو من الهالكين المعذبين. قال ابن عباس : توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفّتان ؛ فأما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة ، فيوضع في كفة الميزان ، فتثقل حسناته على سيئاته ؛ فذلك قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ويؤتى بعمل الكافر في أقبح صورة ، فيوضع في كفّة الميزان ، فيخف وزنه حتى يقع في النار.
كثرة نعم الله على عباده
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠))
الإعراب :
(مَعايِشَ) مفعول (جَعَلْنا) وهي جمع معيشة ، وأصلها معيشة على وزن مفعلة ، إلا أنه نقلت كسرة الياء إلى العين ، ولا يجوز همزها ؛ لأن الياء فيها أصلية ، وأصلها في الواحد أن تكون متحركة. فإن كانت زائدة أصلها في الواحد السكون ، نحو كتيبة على فعلية ، همزت في الجمع ، فيقال : كتائب ، ونحو مدائن وصحائف وبصائر. وقد قرأ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج «معائش» بالهمز على تشبيه الأصلية بالزائدة ، وهي قراءة ضعيفة قياسا.