وهل هناك ميزان حقيقة؟ اختلف العلماء ، فقال مجاهد والضحاك والأعمش : الوزن والميزان بمعنى العدل والقضاء ، وذكر الوزن ضرب مثل ؛ كما تقول : هذا الكتاب في وزن هذا وفي وزانه ، أي يعادله ويساويه ، وإن لم يكن هناك وزن ، أي أن المراد ظهور العدل التام في تقدير الجزاء على الأعمال.
وقال الجمهور : هناك وزن حقيقي وميزان ، لإظهار علم الله تعالى بأعمال عباده وجزائهم عليها. قال الزجّاج : أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان ، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة ، وأن الميزان له لسان وكفّتان ، ويميل بالأعمال.
والأولى في الغيبيات أن نؤمن بها كما وردت في القرآن والسنة ، ونترك البحث عن صورتها وكيفيتها إلى الله عزوجل.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآية الأولى : (فَلَنَسْئَلَنَّ ...) على أن الكفار يحاسبون ، جاء في التنزيل : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) [الغاشية ٨٨ / ٢٦] بل إن المسؤولية أو الحساب شيء عام لجميع العباد حتى الرسل : (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) وسؤال الرسل سؤال استشهاد بهم وإفصاح ؛ أي عن جواب القوم لهم ، وهو معنى قوله : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [الأحزاب ٣٣ / ٨] وسؤال القوم سؤال تقرير وتوبيخ وإفضاح ، فهذه الآية تدل على أنه تعالى يحاسب كل عباده ؛ لأنهم لا يخرجون عن أن يكونوا رسلا أو مرسلا إليهم.
وأما قوله تعالى في سورة القصص : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [٧٨] فهو إذا استقروا في العذاب. والآخرة مواطن : موطن يسألون فيه للحساب ، وموطن لا يسألون فيه.
وقوله تعالى : (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) يدل على أنه تعالى عالم بالعلم ، وأن قول من يقول : إنه لا علم لله قول باطل.