الثالث ـ أول المسلمين من أهل ملّته ، كما قال قتادة وابن العربي وغيرهما (١).
وأما قوله تعالى : (قُلْ : أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) فسبب نزوله أن الكفار قالوا للنّبي صلىاللهعليهوسلم : ارجع يا محمد إلى ديننا ، واعبد آلهتنا ، واترك ما أنت عليه ، ونحن نتكفّل لك بكل تباعة تتوقعها في دنياك وآخرتك ، فنزلت الآية. وهي استفهام يقتضي التقرير والتوبيخ.
ودل قوله تعالى : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) على أنه لا يؤاخذ بما أتت من المعصية ، وركبت من الخطيئة سواها.
واستدل الشافعي بهذه الآية على أن بيع الفضولي لا يصح.
ورد المالكية على ذلك فقالوا : المراد من الآية تحمل الثواب والعقاب دون أحكام الدنيا ، بدليل قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
وبيع الفضولي موقوف عند المالكية والحنفية على إجازة المالك ، فإن أجازه جاز ، بدليل أن عروة البارقي قد باع للنّبي صلىاللهعليهوسلم واشترى وتصرف بغير أمره ، فأجازه النّبي صلىاللهعليهوسلم. وفي هذا الحديث دلالة على جواز الوكالة المتفق عليها بين العلماء ، وعلى أن الوكيل لو اشترى بالثمن المدفوع له كدينار أو درهم أكثر من المقدار المسمى ، كرطل لحم ، فاشترى به أربعة أرطال من تلك الصفة ، فإن الجميع يلزم الموكل إذا وافق الصفة ومن جنسها ؛ لأنه محسن ، وهو قول المالكية والصاحبين من الحنفية. وقال أبو حنيفة : الزيادة للمشتري. وحديث عروة حجة عليه.
ودل قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) على تقرير مبدأ المسؤولية الشخصية ، وهي مفخرة من مفاخر الإسلام الكبرى ، وللآية نظائر
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٧ / ١٥٥