والمراد بالسؤال حينئذ تقريع الكفار وتوبيخهم ، فلما أقروا بأنهم كانوا ظالمين مقصرين ، سئلوا بعد ذلك عن سبب ذلك الظلم والتقصير.
والتوفيق أو الجمع بين قوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) وبين قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن ٥٥ / ٣٩] وقوله : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص ٢٨ / ٧٨] : هو أن ليوم القيامة مواقف وأحوالا متعددة ، فقد يكون السؤال والجواب في بعضها دون بعض ، وقد يكون السؤال لأجل الاسترشاد والاستفادة ، وقد يكون لأجل التوبيخ والإهانة.
وقال الرازي : إن القوم لا يسألون عن الأعمال ؛ لأن الكتب مشتملة عليها ، ولكنهم يسألون عن الدواعي التي دعتهم إلى الأعمال ، وعن الصوارف التي صرفتهم عنها (١) ، أي الموانع التي حالت بينهم وبين التزام الأحكام الشرعية.
فلنخبرن عن علم ومعرفة وإحاطة تامة الرسل وأقوامهم بكل ما حدث منهم ، فلا يغيب عنا شيء قليل أو كثير ، وإن كان مثقال ذرة من خردل في صخرة أو في السموات أو في الأرض. قال ابن عباس في آية : (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ) : يوضع الكتاب يوم القيامة ، فيتكلم بما كان يعملون.
(وَما كُنَّا غائِبِينَ) عنهم في وقت أو حال ، بل كنا معهم نسمع قولهم ، ونبصر فعلهم ، ونعلم ما يسرون وما يعلنون ، ونخبر العباد يوم القيامة بمنا قالوا وبما عملوا من قليل وكثير ، وجليل وحقير ؛ لأنه تعالى الشهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ، ولا يغفل عن شيء ، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ، كما قال : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها ، وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٤ / ٢٣