وأما على رأي أهل السنة القائلين بأن الهدى والضلال من الله تعالى ، فالمعنى أن الهدى والضلال إنما يحصل بخلق الله تعالى ابتداء ، ولكن الداعية التي دعتهم إلى ذلك الفعل هي أنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله.
والفريق الثاني يتصف بصفة أخرى هي أنهم يظنون أنهم مهتدون أي على بصيرة وهداية ، وهم في الحقيقة ضالون مخطئون : (قُلْ : هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف ١٨ / ١٠٣ ـ ١٠٤].
ويؤكد معنى الآية في الفريق الثاني ما رواه مسلم عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يقول الله تعالى : «إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين ، فاجتالتهم ، عن دينهم».
وفسّر بعضهم : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) بأنه كما خلقناكم ؛ فريق مهتدون وفريق ضلال ، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم. قال ابن عباس : إن الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا ، كما قال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ، فَمِنْكُمْ كافِرٌ ، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [التغابن ٦٤ / ٢] ثم يعيدهم كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا. وهذا موافق لحديث ابن مسعود في صحيح البخاري : «فو الذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار ، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها».
وبناء على هذا التأويل يكون هناك تعارض بينه وبين قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ، فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم ٣٠ / ٣٠] ومثله ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضياللهعنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «كل