أولئك جميعا ينالهم ما كتب عليهم في كتاب المقادير الذي سجل فيه نظام العالم كلّه ، وقدّر لهم من الأرزاق والأعمار ، وكتب لمن كذب على الله أن وجهه مسود ، أي لهم ما وعدوا به من خير أو شرّ ، بالرّغم من ظلمهم وافترائهم على الله.
حتى إذا جاءتهم الرّسل وهم ملائكة الموت يتوفّونهم ويقبضون أرواحهم ، قالوا لهم أي سألهم الرّسل تأنيبا وتوبيخا : أين الشّركاء الذين كنتم تدعونهم وتعبدونهم في الدّنيا من دون الله؟! ادعوهم يخلصونكم مما أنتم فيه! أجابوهم : غابوا عنّا وذهبوا ، فلا ندري مكانهم ، ولا نرجو منهم النّفع والخير ، ولا دفع الضّرّ.
وأقرّوا واعترفوا على أنفسهم بأنهم كانوا بدعائهم وعبادتهم إيّاهم كافرين.
ومفاد هذا زجر الكفار عمّا هم عليه من الكفر ، ودفعهم إلى النّظر والتّأمل في عواقب أمورهم القائمة على الكفر والضّلال.
ونظير المعنى في هذه الآية قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ. مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ، ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) [يونس ١٠ / ٦٩ ـ ٧٠] ، وقوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ ، إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ، فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) [لقمان ٣١ / ٢٣ ـ ٢٤].
ثمّ أخبر الله تعالى عمّا تقوله الملائكة لهؤلاء المشركين به ، المفترين عليه ، المكذّبين بآياته : ادخلوا النّار مع أمم أمثالكم وعلى صفاتكم ، قد سبقتكم في الكفر ، سواء من الجنّ والإنس ، فالقائل : إما مالك خازن النّار ، أو هو الله عزوجل ، أي قال الله : ادخلوا.
كلّما دخلت جماعة منهم النّار ، ورأت العذاب والخزي والنّكال ، لعنت أختها في الملّة والدّين التي ضلّت بالاقتداء بها ، إذ هي قد ضلّت باتّباعها وتقليدها في الكفر ، كما قال تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ