والمراد بالإجرام : كلّ إفساد ، كإفساد الفطرة بالكفر. (مِهادٌ) فراش. (غَواشٍ) أغطية من النّار ، جمع أغشية ، وتنوينه عوض من الياء المحذوفة.
المناسبة :
المقصود من هذه الآيات إتمام وعيد الكفار ؛ لأنه تعالى أخبر في الآية المتقدمة عن خلود المكذّبين بالقرآن في النّار ، المستكبرين عن الإيمان بالله والنّبي والمعاد ، ثم أخبر عن استحالة دخولهم الجنة ، وعدم قبول أعمالهم الصالحة.
التفسير والبيان :
إن الذين كذبوا بآياتنا الدّالة على وحدانيتنا وصدق نبيّنا وصحّة النّبوات وإثبات المعاد ، لا يصعد لهم عمل صالح ؛ لخبث أعمالهم ، وإنّما يتقبّل الله من المتّقين ، ويقبل العمل الصالح ، ويرفع إليه الكلم الطيّب : لقوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر : ٣٥ / ١٠] ، وقوله : (كَلَّا ، إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) [المطففين ٨٣ / ١٨] ، فلا تفتح لأعمالهم وأرواحهم أبواب السّماء ، وهذا فيه جمع بين القولين في تفسير هذه الآية.
ولا يدخلون الجنّة أبدا بحال ، فهم مطرودون من رحمة الله ، فدخولهم الجنة مستحيل ، لقوله : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) وهذا أسلوب شائع بين العرب للدّلالة على الاستحالة ، فهم يقولون : لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب ، وحتى يبيضّ القار (الزّفت) وحتى يدخل الجمل في سمّ الخياط. وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنّ المراد : حتى يدخل الجمّل أي الحبل الغليظ في خرق الإبرة ، قال ابن عباس رضياللهعنه : إن الله أحسن تشبيها من أن يشبه بالجمل ، يعني أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سمّ الإبرة ، والبعير لا يناسبه. قال الزّمخشري : إلا أن قراءة العامة (الْجَمَلُ) أوقع ، لأنّ سمّ الإبرة مثل في ضيق المسلك ، يقال : أضيق من خرت الإبرة ، والجمل مثل في عظم الجرم.