وإذا كان الشيء بالشيء يذكر ، والأمثال تقرن ببعضها لمعرفة تماثلها في الحكم ، فإنه تعالى أشار إلى إنكار البعث ، فقال : (كَذلِكَ نُخْرِجُ ..) أي مثل هذا الإخراج لأنواع النبات من الأرض الميتة الجدبة بالماء ، نخرج الموتى ونبعثهم ، فالله على كلّ شيء قدير ، يخرج الحي من الميت ، ويخرج الميت من الحي ، وقد بينا هذا الشبه لتتذكروا وتتعظوا ، فتؤمنوا بالبعث أو اليوم الآخر. كما قال تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ ، قالَ : مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ : يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ ، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس ٣٦ / ٧٨ ـ ٧٩] وقال : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء ٢١ / ١٠٤] وقال : (ما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) [الأعراف ٧ / ٢٩].
ولكن استعداد الناس للإيمان بالبعث مختلف باختلاف الطبائع والنفوس ، فمنها الطيب الذي يتجاوب لنداء الإيمان ، ومنها الخبيث الذي يعرض عن الإيمان ، لذا قال تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ ...) أي إن الأرض الطيبة التربة يخرج نباتها سريعا حسنا ، والأرض الخبيثة التربة كالسّبخة ونحوها ، لا يخرج نباتها القليل إلا بعسر وصعوبة.
قال ابن عباس : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر. أي إنه تعالى شبه المؤمن بالأرض الخيّرة ، والكافر بالأرض السبخة ، ومثله الحديث الذي رواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير ، أصاب أرضا ، فكانت منها نقيّة قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس ، فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبث كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به ، فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به».