الآية مكية ، والزكاة إنما فرضت بالمدينة ، فنسخ هذا الواجب بافتراض العشر ونصف العشر ، وهو الزكاة.
وقيل : إن الآية مدنية ، والحق أن المراد بها هو الزكاة المفروضة ، والمعنى : واعزموا على إيتاء الحق واقصدوه واهتموا به يوم الحصاد ، حتى لا تؤخروه عن أول وقت يمكن فيه الإيتاء.
ثم نبّه القرآن إلى منهجه المعروف وهو الوسطية والتوسط في الأمور والاعتدال في كل شيء ، فقال تعالى : (وَلا تُسْرِفُوا ...) أي كلوا مما رزقكم الله من غير إسراف في الأكل ، كما قال تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف ٧ / ٣١] ولا تسرفوا أيضا في الصدقة ، كما روي عن ثابت بن قيس بن شماس أنه صرم خمسمائة نخلة ، ففرق ثمرها كله ، ولم يدخل شيئا إلى منزله ، كما قال تعالى : (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) [الإسراء ١٧ / ٢٩].
وقال الزّهري : المعنى : لا تنفقوا في معصية الله ، وروي نحوه عن مجاهد فقد أخرج عنه ابن أبي حاتم أنه قال : لو كان أبو قبيس ـ جبل بمكة ـ ذهبا ، فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى ، لم يكن مسرفا ، ولو أنفق درهما في معصية الله تعالى كان مسرفا. ومن هذا الاتجاه قول بعض الحكماء : لا سرف في الخير ، ولا خير في السّرف.
والحق : أن الإسراف في كل شيء خيرا كان أو غيره خطأ ، سواء في الأكل أو التّصدق ؛ لأن على الإنسان واجب الإنفاق على نفسه وعلى أهله وذويه وأولاده ، حتى إنه إن لم يكن له أولاد ، فادّخار شيء من دخله أمر محمود ، لإنفاقه في حوائج المستقبل ، وحتى لا يصبح عالة على الآخرين ، ولذا يحجر على السّفيه المبذر شرعا ، ولو كان الإنفاق في سبل الخير. جاء في صحيح البخاري تعليقا : «كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة».