على أنّ المراد منه أمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بدليل ما روي عن ابن عباس وقتادة وابن جريج وغيرهم.
هذا هو الفريق الأوّل من أمّة الدّعوة المحمّدية ، ثمّ ذكر تعالى الفريق الثّاني بقوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ...) أي والذين كذبوا بالقرآن وهم أهل مكة نتركهم في ضلالهم ، ونستدرجهم إلى العذاب من حيث لا يعلمون ما يراد بهم ، ونقرّبهم إلى ما يهلكهم ، بإمدادهم بالنّعم ، وفتح أبواب الرّزق والخير ، وتيسير سبل المعاش ، كلّما ارتكبوا ذنبا أو فعلوا جرما ، فيزدادون بطرا وانغماسا في الفساد ، وتماديا في الغي ، وتدرّجا في المعاصي ، بسبب متابعة تلك النّعم والخيرات ، كما قال تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ ، نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ ، بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون ٢٣ / ٥٥ ـ ٥٦] ، وقال تعالى أيضا : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ، فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا ، أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً ، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام ٦ / ٤٤ ـ ٤٥] ، وروى الشيخان عن أبي موسى : «إنّ الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته».
وقد تحقّق ذلك بكفار قريش الذين هزموا في بدر والخندق وفتح مكة وغيرها من المعارك ، وأظهر الله رسوله عليهم.
قال عمر لما حملت إليه كنوز كسرى : «اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا ، فإني سمعتك تقول : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)».
(وَأُمْلِي لَهُمْ) ، أي سأملي وأطوّل لهم ما هم فيه وأمهل هؤلاء المكذّبين المستدرجين ، إنّ مكري أو تدبيري الخفي شديد قوي.
والخلاصة : إنّ الإمداد بالنّعم والخيرات والأرزاق ليس دليلا على صلاح الإنسان ، وإنما قد يكون استدراجا كما يستدرج العدو إلى مكان للقضاء عليه ،