وهل التّفكّر أفضل أو الصّلاة؟
يرى الصّوفيّة : أنّ الفكرة أفضل ، فإنها تثمر المعرفة ، وهي أفضل المقامات الشّرعيّة.
ويرى الفقهاء : أن الصّلاة والذّكر أفضل ، لما روي في ذلك من الحثّ والدّعاء إليها ، والتّرغيب فيها.
وتوسّط ابن العربي ، فرأى أن التّفكر أفضل للعالم المفكّر القوي النّظر ، القادر على الاستدلال ، وأما غيره فالأعمال أقوى لنفسه ، وأثبت لشأنه (١).
ودلّ قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ ...) على أن الهدى والضّلال من الله ، بمعنى أن الله هو الخالق لأفعال العباد ، سواء في حال الخير أو في حال الشّر ، وأنه جعل القرآن أعظم أسباب الهداية للمتّقين ، لا للجاحدين المعاندين. وفي ذلك ردّ على القدريّة الذين يقولون : إن الإنسان يخلق أفعال نفسه ، والمعاصي لا يريدها الله. وهي ردّ أيضا على المعتزلة أيضا الذين يقولون : إنّ العبد خالق لأفعاله ، ولكنهم نزّهوا الله عن العجز ، فقالوا : إن هذا بقدرة أودعه الله إياها وخلقها.
ولا إجبار من الله على الضّلال ، وإنما نسب الضّلال إلى الله في الآية من قبيل النّسبة إلى النّظام الذي وضعه والسّنّة التي قضى بها في خلق الإنسان ، وربط أعماله بأسباب تترتّب عليها مسبباتها ، فإذا اختار العبد الضّلالة ، فلن يجد غير الله هاديا له ، ولا يهديه أحد سوى الله. ومن سنّته تعالى أنه يترك هؤلاء الضّالّين يتردّدون حيرة في متاهات ضلالهم ، ولا يجدون سبيلا للخروج مما هم فيه. فكما أن من اختار أصل الهداية يزيده الله هدى ويوفّقه لمتابعة طريق الهدى ، ويمكّنه
__________________
(١) أحكام القرآن : ٢ / ٨٠٧.