قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) حثّ على النّظر والاستدلال والتّفكر في خلق الله وصنعه وتدبيره ، فإنه يدلّ عليه وعلى حكمته وجوده وعدله (١). وذلك يدلّ على أنّ التّقليد في العقائد غير جائز ، ولا بدّ من النّظر والاستدلال.
واتّجه أكثر العلماء إلى أن النّظر والاستدلال أوّل الواجبات على الإنسان. وذهب بعضهم إلى أنّ أوّل الواجبات الإيمان بالله وبرسوله وبجميع ما جاء به ، والإيمان : هو التّصديق الحاصل في القلب ، الذي ليس من شرط صحته المعرفة ، ثم النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تعالى ، فيتقدّم وجوب الإيمان بالله تعالى على المعرفة بالله. وقالوا ـ ومنهم القرطبي (٢) ـ : هذا أقرب إلى الصواب وأرفق بالخلق ؛ لأن أكثرهم ومنهم العامة والمقلّدون لا يعرفون حقيقة المعرفة والنّظر والاستدلال. ولأن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحديث المتواتر الذي رواه أصحاب الكتب الستّة عن أبي هريرة قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، ويؤمنوا بي وبما جئت به ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها ، وحسابهم على الله».
ومن الطّريف أن العلماء قالوا : لا يكون النّظر والاعتبار في الوجوه الحسان من المرد والنّسوان ، فذلك متابعة الهوى ، ومخادعة العقل ، ومخالفة العلم ، ولم يحلّ الله النّظر إلا على صورة لا ميل للنّفس إليها ، ولا حظّ للهوى فيها.
وإنما النظر يكون في المخلوقات والجمادات ، أما المخلوقات فكثيرة ، ينظر في السموات كيف بنيت وزيّنت من غير شقوق ، ورفعت بغير عمد ، وفي الأرض كيف وضعت فراشا ، ووطئت مهادا ، وفي أصناف المخلوقات والحيوانات في البر والبحر ، وفي البحار التي هي أعظم المخلوقات عبرة. وأما الجمادات فينظر في أصنافها واختلاف أنواعها وأجناسها.
__________________
(١) أحكام القرآن : ٣ / ٣٦.
(٢) تفسير القرطبي : ٧ / ٣٣١ ـ ٣٣٣.