المجاهدين ، وأفردهم بالذكر تفخيما لشأنهم. ثم ذكر وعدا كريما آخر لمن قاتل مبغيا عليه دفاعا عن نفسه ، بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن ، وابتدئ بالقتال.
التفسير والبيان :
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ... خَيْرُ الرَّازِقِينَ) أي والذين خرجوا مهاجرين في سبيل الله ، وتركوا أوطانهم وديارهم ابتغاء مرضاة الله ، وطلبا لما عنده ، ثم قتلوا في الجهاد ، أو ماتوا حتف أنفهم من غير قتال على فرشهم ، فقد حصلوا على الأجر الجزيل ، والثناء الجميل ، وليمنحنهم الله الجنة ، وليرزقنهم من فضله منها ، إن الله خير المعطين الرازقين ، يعطي من يشاء بغير حساب ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ، ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء ٤ / ١٠٠].
وهذا الرزق الحسن كما قال تعالى :
(لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ ، وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) أي ليدخلن هؤلاء المهاجرين المجاهدين في سبيله موضعا كريما يرضونه وهو الجنة ، كما قال تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [الواقعة ٥٦ / ٨٨ ـ ٨٩] أي يحصل له الراحة والرزق وجنة النعيم. وإن الله لعليم بمن يهاجر ويجاهد في سبيله ، وبمن يستحق ذلك ، فهو عليم بالنيات والمقاصد والأحوال ، وحليم أي يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب بهجرتهم إليه وتوكلهم عليه ، ولا يعاجل هؤلاء المكذبين بالعقوبة ، ليترك لهم الفرصة للتوبة والإنابة والإيمان بالله تعالى.
(ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ) .. (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) أي ذلك الأمر الذي قصصنا عليك من إنجاز الوعد للمهاجرين الذين قتلوا أو ماتوا ، ومن قوتل ظلما ، وجازى من المؤمنين من اعتدى عليه من المشركين ، ثم بغي عليه بإلجائه إلى الهجرة ومفارقة