الوطن ، وابتدائه بالقتال ، لينصرنه الله نصرا مؤزرا ، (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) أي إن الله ليصفح عن المؤمنين ويغفر لهم خطأهم إذا تركوا ما هو الأجدر بهم وهو العفو والمغفرة عن المسيء. وفيه حث على العفو عن الجاني ، كما قال تعالى : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ ، إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى ٤٢ / ٤٣] وقال : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [الشورى ٤٢ / ٤٠] وقال : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة ٢ / ٢٣٧] وفيه دلالة على أنه سبحانه بذكر العفو والمغفرة قادر على العقوبة ؛ لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده ، كما بينا.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على مزية صنفين من الناس : المهاجرين ، والمقاتلين دفاعا عن أنفسهم.
أما المهاجرون : فهم الذين تركوا ديارهم وأوطانهم وأموالهم ، وفارقوا مكة إلى المدينة ، حبا في طاعة الله تعالى ، وابتغاء رضوانه ، فلهم من الله الفضل العظيم ، والعطاء العميم ، والرزق الحسن وهو الجنة ، سواء قتلوا في الجهاد أو ماتوا من غير قتال. وأكد تعالى ذلك بقوله : (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) أي الجنان. والله عليم بنياتهم ، حليم عن عقابهم.
أما من قتل في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر ، فإنه شهيد حي عند ربه يرزق ، كما قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ، بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران ٣ / ١٦٩].
وأما من توفي في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر فقد تضمنت هذه الآية الكريمة إجراء الرزق عليه ، وعظيم إحسان الله إليه.
روي عن أنس أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «المقتول في سبيل الله ، والمتوفى في سبيل الله بغير قتل ، هما في الأجر شريكان» (١).
__________________
(١) روى النسائي حديثا في معناه عن العرباض بن سارية.