والآيات في هذا المعنى كثيرة ، مثل قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة ٢ / ١٨٥] وقوله سبحانه : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) [البقرة ٢ / ٢٨٦] وقوله عزوجل : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن ٦٤ / ١٦].
٢ ـ (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) أي اتبعوا أو الزموا ملتكم التي هي كملة أبيكم إبراهيمعليهالسلام في حنيفيتها وسماحتها وبعدها عن الشرك. والمراد بالملة : الأحكام الأصلية الاعتقادية ، فهي واحدة في شريعتنا وشريعة إبراهيم عليهالسلام ، بل هي واحدة في جميع الشرائع ؛ قال الله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً ، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ، وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى ٤٢ / ١٣] وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء ٢١ / ٢٥] وقال النبي صلىاللهعليهوسلم فيما رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد : «الأنبياء أولاد علّات» أي أن إيمانهم واحد ، وشرائعهم مختلفة.
وسبب تخصيص إبراهيم عليهالسلام بالذكر هو التشابه في السماحة والتوحيد بين الملتين ، وكون أكثر العرب من نسل إبراهيم عليهالسلام ، فهم يحبونه ، والحب مدعاة التمسك بشريعته وشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم التي هي شريعة أبيهم إبراهيم عليهالسلام ، وبما أن إبراهيم هو أبو رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فكان أبا لأمته ؛ لأن أمة الرسول في حكم أولاده.
ونظير الآية قوله عزوجل : (قُلْ : إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [الأنعام ٦ / ١٦١].
٣ ـ (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) أي إن الله ـ وقيل : إبراهيم ـ ، هو الذي سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة ، وفي القرآن. قال ابن كثير