التفسير والبيان :
(وَقالَ فِرْعَوْنُ : يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ، ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أي وقال فرعون الطاغية الجبار ملك مصر : يا أيها القوم ، لم أعلم بوجود إله غيري ، أي إن إله موسى غير موجود ، وإنما أنا الإله ، كما قال تعالى في آية أخرى حاكيا عنه : (فَحَشَرَ فَنادى ، فَقالَ : أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ، فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) [النازعات ٧٩ / ٢٣ ـ ٢٦]. دعا قومه إلى الاعتراف بألوهيته ، فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم وسخافة أذهانهم ، كما قال تعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ ، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [الزخرف ٤٣ / ٥٤].
وليس قصده من ادعاء الألوهية كما أبان الرازي (١) كونه خالقا السموات والأرض ، وإنما وجوب تعظيمه وعبادته ، أي عبادة الملك صاحب السلطة والنفوذ المطلق والانقياد التام لأوامره. وهذا من إغراءات الحكم والسلطان ، وغرور الملك والعظمة.
(فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ ، فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي فاصنع لي يا هامان الوزير آجرّا ، تبني لي به قصرا عاليا جدا ، شامخا في الفضاء حتى أصعد به وأرتقي إلى السماء ، فأشاهد إله موسى الذي يعبده ، توهما منه أنه جسم كالأجسام المادية الأخرى. وإني لأعتقد أنه كاذب في قوله : إن هناك ربا آخر غيري ، كما في آية أخرى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ : يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ ، أَسْبابَ السَّماواتِ ، فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى ، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً ، وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ، وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) [غافر ٤٠ / ٣٦ ـ ٣٧].
وقد أراد فرعون بادعاء الألوهية وبناء أعلى صرح في زمانه التلبيس
__________________
(١) تفسيره المعروف بالتفسير الكبير : ٢٤ / ٢٥٣.