غير فرعون (صَرْحاً) قصرا عاليا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) أصعد وأرتقي ، ثم أنظر إليه وأوقف عليه ، كأنه توهم أنه لو كان ، لكان جسما في السماء يمكن الترقي إليه (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) في ادعائه إلها آخر وأنه رسول.
(فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (بِغَيْرِ الْحَقِ) بغير استحقاق (لا يُرْجَعُونَ) بالنشور (فَنَبَذْناهُمْ) طرحناهم (فِي الْيَمِ) في البحر المالح ، فغرقوا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) حين صاروا إلى الهلاك. وقوله : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) قال البيضاوي : فيه تفخيم لشأن الآخذ ، واستحقار للمأخوذين ، كأنه أخذهم مع كثرتهم في كف ، وطرحهم في اليم.
(أَئِمَّةً) قادة ، قدوة للضلال (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) يدعون إلى موجبات النار من الكفر والمعاصي (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) بدفع العذاب عنهم (لَعْنَةً) طردا عن الرحمة ، وخزيا (الْمَقْبُوحِينَ) المطرودين المبعدين المخزيين.
(الْكِتابَ) هنا التوراة (الْقُرُونَ الْأُولى) قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط (بَصائِرَ لِلنَّاسِ) أنوار للقلوب في عصرهم ، تبصر بها الحقائق ، وتميز بين الحق والباطل (وَهُدىً) إلى الشرائع التي هي سبيل الله تعالى (وَرَحْمَةً) لمن آمن به ؛ لأنهم لو عملوا بالتوراة لنالوا رحمة الله (يَتَذَكَّرُونَ) يتعظون بما في ذلك الكتاب من المواعظ.
المناسبة :
قوبل موسى وهارون في دعوتهما القوية إلى توحيد الله تعالى بكفرين عظيمين :
الأول ـ (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) أي نفي إله غيره ، وادعاء ألوهية نفسه.
والثاني : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ ، فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى ، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي محاولة الصعود والارتقاء إلى السماء لرؤية إله موسى. وكل من الأمرين جهل وعتو وطغيان واستكبار ، فكانت عاقبته الغرق في الدنيا ، والطرد من رحمة الله في الآخرة.
وفي مقابل هذا الكفر آتى الله موسى التوراة نورا وهدى ورحمة.