وكذا علة الأمر بطاعة الله وطاعة الأبوين أو السبب فيه : هو أن المصير أو المرجع إلي ، فسأجزيك على ذلك أوفر الجزاء في الآخرة. وهذا تهديد وتخويف من عاقبة المخالفة والعقوق والعصيان ، كما هو وعد بالجزاء الحسن على امتثال أمر الله وطاعته وبرّ الوالدين وصلتهما.
وهذه الآية وما بعدها من كلام لقمان الذي وصى به ابنه ، أخبر الله عنه بذلك ، فلما بيّن لقمان لابنه أن الشرك ظلم ونهاه عنه ، كان ذلك حثّا على طاعة الله ، ثم بيّن أن الطاعة تكون للأبوين ، وبيّن السبب في ذلك.
وقيل : هو من كلام الله قاله للقمان ، أي قلنا له : (اشْكُرْ) ، وقلنا له : (وَوَصَّيْنَا) ، وقيل : هذه الآية اعتراض بين وصية لقمان تؤكد النهي عن الشرك ، قال القرطبي: والصحيح أن هذه الآية وآية العنكبوت السابقة : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) [٨] نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية التي حلفت ألا تأكل حتى يرتد سعد ، وعليه جماعة من المفسرين (١). والمختار عند المفسرين أن هذه الآية إلى آخر الآيتين بعدها كلام مستأنف من الله تعالى ، جاء معترضا بين وصايا لقمان لابنه ، تأكيدا للنهي عن الشرك.
ثم قيّد الله طاعة الأبوين مستثنيا حقوقه تعالى ، فقال :
(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، فَلا تُطِعْهُما) أي وإن ألحّ والداك في الطلب ، وحرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما في دينهما ، وتشرك بي في عبادتي غيري مما لا تعلم أنه شريك لي ، فلا تقبل منهما ذلك ، ولا تطعهما فيما أمراك به من الشرك أو المعصية ، فإنه لا طاعة لمخلوق في
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٤ / ٦٣ ، البحر المحيط : ٧ / ١٨٦ وما بعدها.