فإنا آتيناك من الكتاب مثل ما آتيناه منه ، فليس ذلك ببدع لم يكن قط حتى ترتاب فيه. ويحتمل : من لقاء موسى الكتاب أو من لقائك موسى ، وقد التقيا ليلة الإسراء ، قالصلىاللهعليهوسلم : «رأيت ليلة أسري بي موسى عليهالسلام رجلا آدم طوالا جعدا ، كأنه من رجال شنوءة».
(وَجَعَلْناهُ) أي الكتاب المنزل على موسى. (هُدىً) هاديا. (يَهْدُونَ) الناس إلى ما فيه من الحكم والأحكام. (بِأَمْرِنا) إياهم ، أو بتوفيقنا لهم. (لَمَّا صَبَرُوا) أي لصبرهم على طاعة دينهم وعلى البلاء في الدنيا. (وَكانُوا بِآياتِنا) الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا. (يُوقِنُونَ) يصدقون ، لإمعانهم النظر فيها. (يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) يقضي ، فيميز الحق من الباطل والمحق من المبطل. (يَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين.
المناسبة :
بعد تقرير الأصول الثلاثة في أول السورة وهي التوحيد والبعث والرسالة ، عاد في آخرها إلى الأصل الثالث مرة أخرى وهو الرسالة المذكورة أولا في قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ).
واختار موسى لقربه من محمد صلىاللهعليهوسلم ووجود من كان على دينه ، إلزاما لهم ، وإنما لم يختر ذكر عيسى عليهالسلام ؛ لأن اليهود ما كانوا يوافقون على نبوته. وأما النصارى ، فكانوا يعترفون بنبوة موسى عليهالسلام ، فذكر المجمع عليه.
التفسير والبيان :
(لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ، فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ ، وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) يخبر الله تعالى عبده ورسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم بأنه آتى موسى عليهالسلام التوراة ، فلا تكن يا محمد في شك من لقائك الكتاب ، فإنا آتيناك القرآن كما آتينا موسى التوراة ، فأنت لست ببدع من الرسل قط ، كما قال تعالى : (قُلْ : ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف ٤٦ / ٩] والصلة قائمة بين الرسالتين والمهمة واحدة ، فإن التوراة جعل أيضا هاديا ومرشدا لبني إسرائيل ، كما أنك مرشد لأمتك ، كما قال تعالى : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ، وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) [الإسراء ١٧ / ٢].