كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظ ، ولا يحدث بما لا يحفظ. هذا هو مذهب أبى حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز أن يروى حديثا عن النبي صلىاللهعليهوسلم إلا ما سمعه وحفظه من حين سمعه إلى حين أداه.
وحدث عن التنوخي إلى أحمد بن الصلت الحماني قال سمعت يحيى بن معين ـ وهو يسأل عن أبى حنيفة أثقة هو في الحديث؟ ـ قال : نعم ثقة ثقة ، كان والله أورع من أن يكذب ، وهو أجل قدرا من ذلك. وهذا الخبر عن أبى حنيفة إنما أوردناه في هذا الموضع لأنه جاء في هذا الباب وليس منه وإنما أوردناه لسياق الكلام. وسيأتي الجواب عن هذا وعما تقدم من صفات أبى حنيفة ومدحه فيما بعد.
وحدث عن الصيمري إلى أحمد بن عطية قال سئل يحيى بن معين هل حدث سفيان عن أبى حنيفة؟ قال نعم كان أبو حنيفة ثقة صدوقا في الحديث والفقه ، مأمونا على دين الله عزوجل.
قلت : (يعنى الخطيب) أحمد بن الصلت هو أحمد بن عطية وكان غير ثقة ، وسيأتي حديث أحمد مع بقية الرواة فيما بعد إن شاء الله.
وحدث عن ابن رزق إلى محمد بن عثمان بن أبى شيبة قال سمعت يحيى بن معين ـ وسئل عن أبى حنيفة ـ فقال : كان يضعف في الحديث.
وحدث عن أحمد بن عبد الله الأنماطى إلى أحمد بن سعد بن أبى مريم قال : وسألته ـ يعنى يحيى بن معين ـ عن أبى حنيفة فقال : لا تكتب حديثه.
هذا القول لا يلتفت الناس إليه ، قد كتب حديثه ورأيه وسار في الآفاق واجمع الناس على أئمة أربعة أبو حنيفة منهم. وما أخذ أحد بقول يحيى ولا بروايته.
وأخبر عن على بن محمد المالكي إلى عبد الله بن على بن عبد الله المديني قال : وسألته ـ يعنى أباه ـ عن أبى حنيفة صاحب الرأى فضعفه جدا وقال لو كان بين يدي ما سألته عن شيء. وروى خمسين حديثا أخطأ فيها.
كان الواجب أن يذكر الأحاديث ويبين خطأ أبى حنيفة فيها هل هو من الطرق أو من الرأى الذي رآه فيها ، وأما أن يقول خمسين حديثا من غير ذكرها وتبيين الخطإ فيها فهذا من دلائل التحامل والافتراء ، والعجب من اقتصاره على خمسين حديثا.