قلت لا ، قال هذا أبو حنيفة ، هذا ممن أعين بعقله على الفجور. فقال له سعيد : أنا أشهد أنك صادق لو لا أنك رأيت هذا ، لم تكن تحسن تقول هذا.
ليت شعري أى شيء في هذا القول مما يصعب على أبله الناس إذا أراد الاختلاف أن يقوله ، ثم ومن لا يحسن أن يقول مثل هذا في اليقظة كيف يحتج بقوله في المنام؟ وليت شعري من كان هذا الرجل الرائي للمنام الذي قيست رؤياه برؤيا يوسف لم يتحمل على ظاهرها لأنها أولت لأنه لم يسجد له الشمس والقمر والكواكب الأحد عشر في اليقظة كما رآها ساجدة له في المنام ، ومه هذا فيكفى أبا حنيفة شرفا دخوله المسجد مع النبيصلىاللهعليهوسلم وأصحابه مقارنا لأبى بكر وعمر ، ولو كان الأمر كما ذكرنا لما صحب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المسجد ، هذا إن صدق افتراؤهما لوجدنا به بهتا وهما مستيقظان أكان أحد يصدقهما فكيف يصدقهما في المنام؟ وقد أجمع الناس على أن الرؤيا لا تفسر على ظاهرها ، ولو كان الأمر كذلك لما احتيج إلى المفسرين لأن نص القرآن العزيز حكاية عن يوسف لما قال له الرائي (إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ) إنه يصلب فتأكل الطير من رأسه، وأين الحمل من الصلب ، وأين الخبز من رأسه؟ وفي قول الملك (إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ) ، (قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ) ثم قال (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ) وأين البقرة من السنة ، فقد أول المعبرون البكاء بالفرح ، والموت بطول العمر، وأشياء كثيرة بما يضادها. فعلى هذا يكون وسخ أثواب أبى حنيفة ورثاثة هيئته نظافة وطهارة.
وحدث عن أبى الفتح محمد بن المظفر بن إبراهيم الخياط إلى على بن حرب قال سمعت محمد بن عامر الطائي ـ وكان خيرا ـ يقول : رأيت في المنام كان الناس مجتمعون على درج مسجد دمشق ، إذ خرج شيخ ملبب بشيخ ، فقال : أيها الناس إن هذا قد بدل دين محمد صلىاللهعليهوسلم. فقلت لرجل إلى جانبي من هذان الشيخان؟ فقال : هذا أبو بكر الصديق ملبب بأبى حنيفة.
أما حديثهم عن أبى حنيفة في المنام فلا حجة فيه ، لا سيما ممن لو طعن فيه في اليقظة لم يقدح ذلك فيه ، لأنهم ليسوا من أهل العلم. والطعن في مثله وليس في مثل هذا فائدة إلا ما ذكرناه عن الخطيب من قصد التشنيع والنكير والتعصب وقد تقدم الكلام عن ذلك.