وهو زنجي جميل قامته ٧٥ ، ١ متر ، في العقد الخامس من العمر تقريبا ، ينضح وجهه ذكاء. لا تفارق الابتسامة شفتيه وتصرفاته في غاية اللباقة وقد استقبلني دوما بكثير من الترحاب كما وأنه أجلسني دائما في مقعد الشرف ليس في مضافته فحسب بل ايضا عند ما كان يقصدني.
في كل زياراتي كان يطلب تقديم الماء المحلّى الساخن (وهو الشاي البدوي) والقهوة بوفرة ثم يطلب جلب أفضل التمر مع الزبدة. وقبل كل شيء كان يطلب إعداد نارجيلته الخاصة خصيصا لي. وهو يدخن بالفعل ، وإذا كان يسمح لنفسه هذا الخرق الخطير لمعتقدات الوهابيين المتزمتة فهو في المقابل شديد التقيد بتلك التي تحرّم الموسيقى والغناء.
الجوف التي كانت في منتهى المرح فيما مضى حسب بلجريف ، لم تعد تحوي اليوم ربابة واحدة. وقد ذهب في حفاوته في محادثتنا الأولى إلى حد القول لي : " مسلم أو نصراني سوا سوا" أي" المسلمون والمسيحيون سواسية".
الجوف ، إحدى أقدم واحات الجزيرة العربية ، حملت لقبها هذا مع بطليموس وقبل ذلك بكثير تحدث عنها عدد كبير من المؤلفين العرب. فقد أطلق عليها أو لهم اسم" دميثه" فيما سماها الآخرون دومة الجندل (١) وهو الاسم الذي تعرف به عند العرب الحاليين. وأحد النصوص الآشورية التي أوردها م. رولنسن تذهب إلى حد افتراض وجود هذه البلدة في القرن السابع قبل الميلاد تحت اسم" دومات" مع ملك يدعى" أكبر" (٢) هزم في حملة شنتها الجيوش الآشورية في عهد اسوراحدين (٦٨٠ ـ ٦٦٩ ق. م).
لكننا لا نعرف عن هذه البلدة سوى اسمها ولا بد لنا من الوصول إلى الهجرة لنخرج إلى النور. ففي ذلك الحين كان ملكها من قبيلة كنده يدعى عقيدرOkeider (أكيدر) وكان نصرانيّا أرسل إليه النبي محمد [صلىاللهعليهوسلم] جيشا مؤلفا من أربعمئة فارس لإخضاعه وجعله يعتنق الإسلام. هذه القلة من الرجال حاصرته وأجبرته على الاستسلام مما يعطي فكرة هزيلة عن قوة أو شجاعة الأمير ، أو عن حب.
__________________
(١) يأتي اسم جوف عمير الذي تحمله عند بعض المؤلفين ، من قبيلة بني عمير الذين رفعوها من اطلال دومة الجندل القديمة.
(٢)J. Havlevy, Essai Sur les inscriptions du Safa, Extraits du Journal Asiatique, Septie ? me Se ? rie, Tome IV, Ernest Leroux, Paris, De ? cembre ٤٧٨١