في المقابل لا بد للشرارات من أن يبتهجوا لأنهم أجبروا على وقف حملات النهب بين الجوف وفلسطين ، وبين تيماء والجبل ، ذلك أنهم محاطون كليا بالصحارى وليسوا على اتصال بأي مركز مهم بحيث لا سبيل لتصريف أصوافهم ولا جمالهم الممتازة الأصل.
الآن يزودون الجوف بالصوف والزبدة وحتى بالحليب عند ما لا يبعدون عنها أكثر من مسافة يوم الى يومين سيرا. ويتسلمون مقابل ذلك تمورا وأقمشة وبعض الحاجيات الضرورية لحياة المخيمات والتي لا يستطيعون صناعتها بانفسهم كرحال الجمال والجلود المدبوغة ، إلخ ...
لا تنتج الجوف سوى التمور التي تضاهي أفضل أنواع تمور الجزيرة العربية ، وقليلا من القمح بكمية غير كافية. أما الصناعة فتقتصر على صنع عباءات خفيفة بنية ، تباع بحسب نوعيتها بمجيدية أو اثنتين ، وصنادل ومصنوعات جلدية أخرى وأسرجة وبعض الأغراض الحديدية غير المتقنة.
بسبب ندرة العملات ، تجري عمليات البيع والشراء بالمقايضة. لدى وصولي إلى الجوف ، توقفت عند المنازل الأولى لمعاينة الوقت في ساعتي وتسجيله بالقلم. كانت الساعة الثانية صباحا. وبالرغم من أن الوقت كان مبكرا جدا ، فقد خرجت امرأة شابة من منزل مجاور وقدمت طاسة من الماء إلى الرجال الذين كانوا برفقتي. فقالوا لها تهذيبا بأن تقدم لي الماء أولا ففعلت. وبعد ما شربت وأعطيت الطاسة لرفاقي ، أعطيتها قطعة نقود بقيمة ربع مجيدية (١) عرفانا لها بالجميل. فأخذتها وسألت عما تكون وعند ما علمت بالأمر ابدت دهشة كبيرة. فسألها عبد الله عندئذ ما إذا كانت قد رأت نقودا من قبل فأجابت" أبدا".
الماء ، سبب وجود النخيل ومن ثمّ الإنسان في الواحة ، ويجري الماء من الينابيع ومن الآبار ومن الخزانات ، التي لا تستقبل الماء إلا فيما ندر فقلما تمطر السماء. والماء عديم الطعم أو كريه المذاق وعسير الهضم. الاستثناء الوحيد هو بئر غخزمة في السوق التي تحمل هذا الاسم كذلك. فماؤها أطيب مذاقا.
العديد من السكان اكدوا لي أن الماء يتناقص ، وأنه كان أغزر بكثير في الأزمنة
__________________
(١) المجيدية الفضية تساوي ٤ فرنكات و ٤٤ سنتيما.