وإن لم يلاقه في الصحابة لحصول الرؤية من جانبه صلىاللهعليهوسلم. وقيل لا يعدّ في الصّحابة لأنّ إسناد لقي إلى ضمير من دون النبي يخرجه. وقولنا من الثقلين يخرج الملائكة لأنّ الثقلين هما الإنس والجنّ كما في الصراح وغيره. وقولنا مؤمنا به يخرج من لقيه صلىاللهعليهوسلم حال كونه غير مؤمن به ، سواء لم يكن مؤمنا بأحد من الأنبياء كالمشرك ، أو يكون مؤمنا بغيره من الأنبياء عليهمالسلام كأهل الكتاب. لكن هل يخرج من لقيه مؤمنا بأنّه سيبعث ولم يدرك البعثة كورقة بن نوفل (١)؟ ففيه تردّد كما قال النووي.
فمن أراد اللقاء حال نبوته عليهالسلام فيخرج عنه ، ومن أراد أعمّ من ذلك يدخل فيه. وقولنا ومات على الإسلام يخرج من ارتدّ بعد أن لقيه مؤمنا ومات على الرّدّة مثل عبد الله بن جحش (٢) وابن خطل (٣). وأمّا من لقيه مؤمنا به ثم ارتدّ ثم أسلم سواء أسلم حال حياته أو بعد موته ، وسواء لقيه ثانيا أم لا فهو صحابي على الأصح ، وقيل ليس بصحابي. ويرجّح الأول قصة الاشعث بن قيس فإنّه ممّن ارتدّ وأتي به إلى أبي بكر الصديق أسيرا فعاد إلى الإسلام فقبل منه ذلك وزوّجه أخته ، ولم يتخلف أحد من ذكره في الصحابة ولا عن تخريج أحاديثه في المسانيد وغيرها.
وفي عدم تقييد اللقاء بزمان محدود أو غير محدود قليلا كان أو كثيرا إشارة إلى اختيار مذهب جمهور المحدّثين والشافعي واختاره أحمد بن حنبل ولذا قال : الصّحابي من صحبه عليهالسلام صغيرا كان أو كبيرا ، سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ، أو رآه. واختاره أيضا ابن الحاجب لأنّ الصّحبة تعمّ القليل والكثير بحسب اللغة ، فأهل الحديث نقلوا على وفق اللغة.
وقال سعيد بن المسيب لا يعد صحابيا إلا من أقام مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين.
ووجهه أنّ لصحبته عليهالسلام شرفا عظيما فلا ينال إلاّ باجتماع يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص ، كالغزو المشتمل على السّفر الذي هو قطعة من السّقر. والسنة المشتملة على الفصول الأربع التي بها يختلف المزاج. وعورض بأنّه عليهالسلام لشرف منزلته أعطى كلّ من رآه حكم الصّحبة. وأيضا يلزم أن لا يعدّ جوير بن عبد الله (٤) ونحوه من الصّحابة ، ولا خلاف في أنّهم صحابة.
وقال أصحاب الأصول : الصّحابي من طالت مجالسته له على طريق التّبع له والأخذ عنه فلا يدخل من وفد عليه وانصرف بدون مكث. وقيل الأصوليون يشترطون في الصّحابي ملازمة ستة أشهر فصاعدا. وقيل لا حدّ لتلك الكثرة بتقدير بل بتقريب. ويؤيّده ما قال أبو
__________________
(١) هو ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزّى القريشي. توفي عام ١٢ ق. ه نحو ٦١١ م. من حكماء الجاهليين. اعتزل الاوثان قبل الاسلام ثم تنصّر. وهو ابن عم خديجة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم وقد اخبر النبي عن بعثته. وله قصة طويلة ذكرها اصحاب التواريخ والحديث. الاعلام ٨ / ١١٤ ، الروض الأنف ١ ١٢٤ ، صحيح البخاري ١ / ٤ ، صحيح مسلم ١ ١٤١ ، تاريخ الاسلام ١ / ٦٨ ، الأغاني ٣ ١١٩ ، خزانة البغدادي ٢ / ٣٨.
(٢) هو عبد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر الاسدي. توفي عام ٣ ه ٦٢٥ م صحابي جليل ، من المهاجرين إلى الحبشة ثم إلى المدينة. شهد المواقع مع الرسول ومات شهيدا يوم أحد. الاعلام ٤ / ٧٦ ، حلية الاولياء ١ ١٠٨ ، حسن الصحابة ٣٠٠ ، إمتاع الأسماع ١ / ٥٥.
(٣) ابن خطل الكافر : هو عبد العزى وقيل غالب بن عبد الله بن عبد مناف بن اسعد بن جابر بن كثير بن تميم بن غالب ، كذا سماه ابن الكلبي. وقيل عبد الله بن خطل. أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بقتله يوم فتح مكة لأنه اسلم ثم ارتد. تهذيب الاسماء ٢ ٢٩٨.
(٤) لعله يقصد جابر بن عبد الله الأنصاري وهو من أطفال الانصار.