فإنّها في العبادات أيضا بمعنى ترتّب الأثر المطلوب من الفعل على الفعل إلاّ أنّ المتكلمين يجعلون الأثر المطلوب [بأصله دون وصفه] (١) في العبادات هو موافقة الأمر ، والفقهاء يجعلونه رفع وجوب القضاء ؛ فمن هاهنا اختلفوا في صحة الصلاة بظنّ الطهارة. ويؤيّد هذا القول ما وقع في التوضيح من أنّ الصّحة كون الفعل موصلا إلى المقصود الدنيوي. فالمقصود الدنيوي بالذات في العبادات تفريغ الذّمّة والثواب وإن كان يلزمها وهو المقصود الأخروي ، إلاّ أنّه غير معتبر في مفهوم الصّحة أوّلا وبالذات ، بخلاف الوجوب فإنّ المعتبر في مفهومه أوّلا وبالذات هو الثواب ، وإن كان يتبعه تفريغ الذّمّة ، والمقصود الدنيوي في المعاملات الاختصاصات الشرعية أي الأغراض المترتّبة على العقود والفسوخ كملك الرقبة في البيع وملك المتعة في النكاح وملك المنفعة في الإجارة والبينونة في الطلاق. فإن قيل ليس في صحّة النفل تفريغ الذّمّة ، قلنا لزم النفل بالشروع فحصل بأدائها تفريغ الذمة انتهي.
اعلم أنّ نقيض الصّحة البطلان فهو في العبادات عبارة عن عدم كون الفعل موافقا لأمر الشارع أو عن عدم كونه مسقطا للقضاء. وفي المعاملات عبارة عن كونه بحيث لا يترتّب عليه الأثر المطلوب منه. والفساد يرادف البطلان عند الشافعي. وأما عند الحنفية فكون الفعل موصلا إلى المقصود الدنيوي يسمّى صحّة. وكونه بحيث لا يوصل إليه يسمّى بطلانا. وكونه بحيث يقتضي أركانه وشروطه الإيصال إليه لا أوصافه الخارجية يسمّى فسادا. فالثلاثة معان متقابلة.
ولذا قالوا الصحيح ما يكون مشروعا بأصله ووصفه ، والباطل ما لا يكون مشروعا لا بأصله ولا بوصفه ، والفاسد ما يكون مشروعا بأصله دون وصفه (٢). وبالجملة فالمعتبر في الصحة عند الحنفية وجود الأركان والشرائط ، فما ورد فيه نهي وثبت فيه قبح وعدم مشروعية ، فإن كان ذلك باعتبار الأصل فباطل. أما في العبادات فكالصلاة بدون بعض الشرائط والأركان ، وأمّا في المعاملات فكبيع الملاقيح وهي ما في البطن من الأجنّة لانعدام ركن البيع ، أعني المبيع. وإن كان باعتبار الوصف ففاسد كصوم الأيام المنهيّة في العبادات وكالربا في المعاملات فإنّه يشتمل على فضل خال عن العوض ، والزوائد فرع على المزيد عليه ، فكان بمنزلة وصف. والمراد (٣) بالوصف عندهم ما يكون لازما غير منفكّ ، وبالمجاور ما يوجد وقتا ولا يوجد حينا ، وأيضا وجد أصل مبادلة المال بالمال لا وصفها الذي هي المبادلة التامة. وإن كان باعتبار أمر مجاور فمكروه لا فاسد كالصلاة في الدار المغصوبة والبيع وقت نداء الجمعة. هذا أصل مذهبهم. نعم قد يطلق الفاسد عندهم على الباطل كذا ذكر المحقق التفتازاني في حاشية العضدي.
فائدة :
المتّصف على هذا بالصّحة والبطلان والفساد حقيقة هو الفعل لا نفس الحكم. نعم يطلق لفظ الحكم عليها بمعنى أنّها تثبت بخطاب الشارع ، وهكذا الحال في الانعقاد واللزوم والنفاذ. وكثير من المحققين على أنّ أمثال ذلك راجعة إلى الأحكام الخمسة. فإنّ معنى صحة البيع إباحة الانتفاع بالمبيع ، ومعنى بطلانه حرمة الانتفاع به. وبعضهم على أنّها من خطاب الوضع
__________________
(١) [بأصله دون وصفه] (+ م ، ع)
(٢) [من العبادات هو موافقه ... دون وصفه] (م ، ع)
(٣) والمقصود (م ، ع)