بمعنى أنّه حكم بتعلّق شيء بشيء تعلّقا زائدا على التعلّق الذي لا بدّ منه في كلّ حكم وهو تعلّقه بالمحكوم عليه وبه. وذلك أنّ الشارع حكم بتعلّق الصّحة بهذا الفعل وتعلّق البطلان أو الفساد بذلك. وبعضهم على أنّها أحكام عقلية لا شرعية فإنّ الشارع إذا شرع البيع لحصول الملك وبيّن شرائطه وأركانه فالعقل يحكم بكونه موصلا إليه عند تحقّقها وغير موصل عند عدم تحقّقها ، بمنزلة الحكم بكون الشخص مصلّيا أو غير مصلّ ، كذا في التلويح. وأمّا عند المحدّثين فهي كون الحديث صحيحا ؛ والصحيح هو المرفوع المتّصل بنقل عدل ضابط في التحمّل والأداء سالما عن شذوذ وعلّة. فالمرفوع احتراز عن الموقوف على الصحابي أو التابعي ، فإنّ المراد (١) به ما رفع إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. والاتّصال بنقل العدل احتراز عمّا لم يتّصل سنده إليه صلىاللهعليهوسلم ، سواء كان الانقطاع من أول الإسناد أو أوسطه أو آخره ، فخرج المنقطع والمعضّل والمرسل جليا وخفيا والمعلّق ، وتعاليق البخاري في حكم المتّصل لكونها مستجمعة لشرائط الصّحة ، وذلك لأنّها وإن كانت على صورة المعلّق ، لكن لمّا كانت معروفة من جهة الثقات الذين علّق البخاري عنهم أو كانت متصلة في موضع آخر من كتابه لا يضرّه خلل التعليق ، وكذا لا يضرّه خلل الانقطاع لذلك. وعمّا اتصل سنده ولكن لم يكن الاتصال بنقل العدل بل تخلّل فيه مجروح أو مستور العدالة إذ فيه نوع جرح. والضابط احتراز عن المغفّل والساهي والشّاك لأنّ قصور ضبطهم وعلمهم مانع عن الوصول إلى الصحة. وفي التحمّل والأداء احتراز عمن لم يكن موصوفا بالعدالة والضبط في أحد الحالين. والسالم عن شذوذ احتراز عن الشّاذ وهو ما يخالف فيه الراوي من هو أرجح منه حفظا أو عددا أو مخالفة لا يمكن الجمع بينهما. وعلة احتراز عن المعتلّ وهو [ما] (٢) فيه علّة خفية قادحة لظهور الوهن في هذه الأمور فتمنع من الصحة ، هكذا في خلاصة الخلاصة. ولا يحتاج إلى زيادة قيد ثقة ليخرج المنكر. أمّا عند من يسوّي بينه وبين الشاذ فظاهر. وأمّا عند من يقول إنّ المنكر هو ما يخالف فيه الجمهور أعمّ من أن يكون ثقة أو لا ، فقد خرج بقيد العدالة كما في شرح شرح النخبة. والقسطلاني ترك قيد المرفوع وقال الصحيح ما اتّصل سنده بعدول ضابطين بلا شذوذ ولا علّة. وقال صاحب النخبة : خبر الواحد بنقل عدل تامّ الضبط متّصل السّند غير معلّل ولا شاذ هو الصحيح لذاته ، فإن خفّ الضبط مع بقية الشروط المعتبرة في الصحيح فهو الحسن لذاته.
وفي شرح النخبة وشرحه هذا أول تقسيم المقبول لأنّه إمّا أن يشتمل من صفات القبول على أعلاها أو لا والأوّل الصحيح لذاته ، والثاني إن وجد أمر يجبر ذلك القصور بكثرة الطّرق فهو الصحيح أيضا لكن لا لذاته ، بل لغيره. وحيث لا جبر فهو الحسن لذاته وإن قامت قرينة ترجّح جانب قبول ما يتوقّف فيه فهو الحسن أيضا لكن لا لذاته ، بل لغيره فقولنا لذاته يخرج ما يسمى صحيحا بأمر خارج عنه. فإذا روي الحديث الحسن لذاته من غير وجه كانت روايته منحطّة عن مرتبة الأوّل ، أو من وجه واحد مساو له ، أو راجح يرتفع عن درجة الحسن إلى درجة الصحيح وصار صحيحا لغيره ، كمحمد بن عمرو بن علقمة (٣) فإنّه مشهور الصدق والصيانة ولكنه ليس من أهل الاتفاق بحيث ضعّفه البعض من
__________________
(١) فالمقصود (م ، ع)
(٢) (ما) (+ م ، ع)
(٣) محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني. صدوق من الطبقة السادسة مات سنة ٢٤٥ ه. تقريب التهذيب ٤٩٩.