وجودها وخلودها ، ويبين صلتها بالجسم ، وينكر التناسخ ، ويفصل القول فى «مشكلة العقل» وهى من أهم المشاكل فى الفكر الفلسفى الإسلامى. وكل تلك مسائل عرضنا لها فى تفصيل من قديم ، وليس ثمة ما يدعو إلى أن نعود إليها هنا (١). ويلاحظ أن علم النفس السينوى على غرار السيكلوجيا القديمة كلها ، أهمل الجانب الوجدانى والجانب الإرادى من أحوال النفس ، وهذا ما حاول متصرفو الإسلام تدارك قسط منه غير قليل ، ولكنه فى الحقيقة من صنع التاريخ الحديث والمعاصر.
ويعنينا أن نشير أخيرا إلى أن علم النفس السينوى ، على ما فيه ، كان ذا شأن فى تاريخ الفكر الإسلامى والمسيحى. فكان مرجع مفكرى الإسلام من فلاسفة ومتصوفة وأخلاقيين ، منذ القرن الخامس الهجرى إلى أوائل القرن الرابع عشر ، عولوا عليه ، وأخذوا عنه ، واحتجوا به ، ولم ينصرفوا عنه إلا يوم أن وقفوا على البحث السيكلوجى المعاصر. ولم يكن حظه عند المسيحيين بأقل من هذا ، فقد ترجم «كتاب النفس» لابن سينا إلى اللاتينية فى الربع الثالث من القرن الثاني عشر الميلادى ، ولم يكن قد مضى على وفاة صاحبه إلا نحو قرن أو يزيد قليلا. وما إن ترجم حتى تلقفته الأيدى فى العواصم الأوربية. وحاول اللاتين تلخيصه أو شرحه والتعليق عليه ، وأثار حركة فكرية بلغت أوجها فى القرن الثالث عشر. وسبق لنا أن لا حظنا أن ليس ثمة مؤلف من مؤلفات ابن سينا صادف فى الفلسفة المدرسية ما صادفه «كتاب النفس» من دراسة وانتشار ، لأنه عالج أمورا كانت هذه الفلسفة فى أمس الحاجة إليها ، كحقيقة النفس وخلودها ، وتوضيح جانبى المعرفة الحسى والإشراقى (٢). ولم يقف الأمر عند هذا ، بل امتد إلى القرن السابع عشر ، فقد كشف أستاذنا فاندنبرج عن نص فى خواطر بسكال (Les Pensees de Pascal) يستمد من ابن سينا (٣). ومهما يكن من شىء فان علم النفس السينوى ربما هان أمره إذا نظر إليه فى ضوء علم النفس المعاصر ، أما باسم التاريخ والماضى فهو ذو شأن عظيم ، وجدير بالنشر والإحياء.
__________________
(١) إبراهيم مدكور : فى الفلسفة الاسلامية ، ص ١٣٠ ـ ١٧٠ ؛ وانظر أيضا : La place d, Al ـ Farabi dans Iecole philosophique musulmane. Paris I ٩٣٤, pp. I ٢٢ ـ I ٨٠
(٢) إبراهيم مدكور : الشفاء ، ج ١ المدخل ، القاهرة ، ١٩٥٢ ، المقدمة ، ص (٣٤).
(٣) الكتاب الذهبى المهرجان الألفي لابن سينا ، القاهرة ، ص ٣٤٤.