الإمكان جمع مخطوطاته كلها ، أم يكتفى بقدر منها يطمأن إليه لإخراج نص محقق مقبول؟ وثبت لدينا أن محاولة الحصر الشامل للمخطوطات العربية بوجه عام ، «ولكتاب الشفاء» بوجه خاص ، لم يحن وقتها بعد ، ولا تزال تتطلب جهودا متضافرة من الأفراد والهيئات : وربما كانت متعذرة ما دامت المكتبات الخاصة مغلقة ، ولا سبيل إلى الحكم على ما تشتمل عليه. وهناك مكتبات عامة فى العالم العربى والإسلامى لم تستكمل فهرستها. على أن المنهج العلمى للتحقيق لا يستلزم الشمول والإحاطة ، وتكفى فيه الأصول المتضافرة والتي يطمأن إليها ، كما صنع باكوش وفضل الرحمن ، وجرى عليه عرف عامة المحققين. وقد يضطر أحيانا إلى النشر على أساس مخطوط واحد ، على أمل أن يكشف الزمن عما يمكن أن يضاف إليه.
قد يقال : ما الداعى : إلى نشر ثالث بعد التحقيقين العربيين السابقين ، لا سيما وفى الإمكان ، استئذان أحد الناشرين للاستعانة بنشره فى تكملة سلسلة الشفاء القاهرية؟ ومع تقديرا لجهود المحققين التي نوهنا بها من قبل ، نعتقد أن نشرنا هذا يضيف جديدا. فهو يلتزم أولا بمنهج «النص المختار» الذي أخذت به اللجنة فى تحقيق كتاب الشفاء جميعه ، وأساسه أنه لا يعول على نسخة وحدها ، وإنما يأخذ عند اختلاف القراءات بما يبدو أقرب إلى تعبير المؤلف وطريقته ، وفى هذا ما يتطلب معاثاة طويلة وإلفا لأسلوب ابن سينا وعباراته ، ونحن نعيش معه منذ خمسة وعشرين سنة أو يزيد.
وعنى منهجنا أيضا بترقيم الأسطر ، بحيث تتم الإحالة على المخطوطات بدقة كما عنى بعلامات الفصل والوصل ، وبالتقسيم والتبويب ، وفى ذلك ما يوضح النص وييسر الأمر على القارئ.
وفى ثبت المخطوطات التي عولنا عليها ما يشهد بأنا أضفنا مخطوطين جديدين لم يستعملا فى التحقيقات السابقة ، وهما : المتحف البريطانى ٧٥٠٠ شرقى ، ودار الكتب ٨٩٤ فلسفة ، واستعنا بهما فى ترجيح قراءة على أخرى. هذا فضلا عن نص باكوش وفضل الرحمن اللذين اعتبرناهما «مخطوطين جيدين» ، ووضعنا قوائم لمقابلة صفحات نصنا بصفحات نص فضل الرحمن الذي يعلو على زميله دون نزاع.
وكانت لجنة ابن سينا تتوق من قديم إلى الاستعانة بالترجمة اللاتينية فيما تقوم به من تحقيق ، وقد أتاحت لنا الآنسة فانريت فرصة ذهبية أفدنا منها فائدة كبرى فى تحقيقنا هذا ، فربطنا المصطلح العربى بالمصطلح اللاتينى ، ووضعنا قوائم لمقابلة