النفوس : من نباتية وحيوانية وإنسانية. ومع هذا لم يرضه هذا التعريف : لأنه لا يفسر النفس من حيث هى ، بل يوضح الصلة بينها وبين الجسم (١). وينتهى إلى القول بأن النفس جوهر قائم بذاته ، فهى فى آن واحد جوهر وصورة (٢). وقد يبدو فى هذا شىء من التناقض ، وإن خففه اختلاف الجهة ، ذلك لأن النفس جوهر فى ذاتها ، وصورة من حيث صلتها بالجسم ، على أن ابن سينا لا يرى بأسا فى أن تعد الصورة جوهرا. والمهم أنه استطاع بهذا أن يوفق بين أفلاطون وأرسطو ، فقال مع الأول بجوهرية النفس ، ومع الثاني بصوريتها (٣).
ولم يقنع بهذا ، بل حرص على أن يضيف إلى جوهرية النفس مميزا آخر هو روحيتها ، وبرهن على ذلك برهنة طويلة (٤). فالنفس عنده فى الحقيقة جوهر روحى ، وهنا تبدر نزعته الأفلاطونية واضحة كل الوضوح ، ويلتقى بهذا مع المتصوفة وكثير من الفلاسفة الإسلاميين والمسيحيين.
قوى النفس الظاهرة :
يختم ابن سينا المقالة الأولى من كتابه بالإشارة إلى أن للنفس أعمالا متنوعة تستلزم أن تكون لها قوى مختلفة (٥). ويحاول أن يحصر هذه القوى ويصنفها (٦). ولسنا هنا بصدد مناقشة هذه النظرية العتيقة ، التي كانت دعامة من دعائم علم النفس القديم ، ويعنينا أن نبين موقف ابن سينا منها ، وكان مؤمنا بها كل الإيمان. ويقسم هذه القوى بوجه عام قسمين : ظاهرة ، وأخرى باطنة ، ويوزع ما بقى من كتابه بين هذين القسمين توزيعا يكاد يكون متعادلا ، وإن كان حديثه عن القوى الظاهرة أطول بعض الشىء. ويبدأ هذه القوى بحاسة اللمس ، لأنها أعم وأشمل ، على عكس ما صنع أرسطو الذي بدأ بحاسة
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ٦ ـ ١٠.
(٢) المصدر السابق ، ص ٢٣ ـ ٢٦.
(٣) ابراهيم مدكور : فى الفلسفة الاسلامية ، منهج وتطبيقه ، القاهرة ، ١٩٦٧ ، ص ١٥٩.
(٤) ابن سينا : كتاب النفس ، ص ١٨٧ ـ ١٩٦.
(٥) المصدر السابق ، ص ٢٧ ـ ٣١.
(٦) المصدر السابق ، ص ٣٢ ـ ٤١.