مقدمة
عنى العرب منذ عهد بعيد بتعرّف الحيوانات التي وقعت تحت بصرهم ، سواء أكانت أليفة أم متوحشة ، فوصفوها ، وبيّنوا بعض خصائصها. وفي الشعر الجاهلى قطع خالدة فى وصف الإبل والخيل ، ولم يغفلوا الوحشيات ، وفلواتهم غنية بها. ولا تخلو أمثالهم ونوادرهم من حديث عن الحيوان والطير ، كثيرا ما شابته الأسطورة والخرافة.
وفي القرن الثاني للهجرة بدأ الباحثون يسجلون شيئا من ذلك ، وفي مقدمتهم الأصمعى (٢١٦ ه) وأبو حاتم السجستانى (٢٤٨ ه) فوضعوا كتبا في الإبل والخيل ، والوحوش والطير ، وقد وصلنا بعضها (١).
ويظهر أن المعتزلة غذّوا هذه الناحية ، كما غذّوا نواحى أخرى في بحوث الإسلامالمبكرة. فقادهم الحوار والجدل إلى البحث عن آيات الله ، وتفننوا في الكشف عن عجائب المخلوقات. وتبنّوا أحيانا حيوانات أو طيورا يتحدثون باسمها ، ويتعمقون في بيان خصائصها ومميزاتها ، فمنهم «صاحب الكلب» و «صاحب الديك» و «صاحب الحمام (٢)» وعدّوا ذلك ضربا من ضروب التعبد ، وسبيلا للكشف عن جلال الله وعظمته. ونظم بشر بن المعتمر (٢١٠ ه) ، وهو رئيس فرقة من فرق المعتزلة ، قصيدتين وقفهما على خصائص الحيوان وعجائبه (٣). ثم جاء الجاحظ (٢٥٥ ه) الأديب والمعتزليّ ، فتوّج ذلك كله ، ووضع أول كتاب عربى شامل في علم الحيوان جمع بين الأدب والسياسة ، والكلام والفلسفة ، والطب والطبيعة.
فى هذا الجو العامر بالدرس والبحث ، رغب العرب في أن يستمدّوا من الثقافات الأخرى كل ما يتصل بالحيوان وخصائصه ، فأخذوا عن الثقافة الهندية والفارسية ما أخذوا ، وعوّلوا بوجه خاص على الثقافة اليونانية. وكان عمدتهم فيها ما قام به أرسطو من دراسة مستفيضة للحيوان ، ترجموا قسطا كبيرا منها في عهد مبكر إلى السوريانية والعربية ، واضطلع بترجمته أحد كبار المترجمين في الإسلام ، وهو ابن البطريق (٢١٥ ه) الذي
__________________
(١) منها للأصمعى «كتاب الوحوش» ـ ثيينا ١٨٨٨ ، وكتاب الخيل ، ثيينا ١٨٩٥ ،
(٢) الجاحظ ، «الحيوان» ـ طبعة ساسى ، ج ١ ، ص ١٧٥ ، ج ٢ ، ص ٥٥.
(٣) المصدر السابق ، ج ٦ ، ص ٩١.