صراط المسلمين ؛ ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده ، كما تقول : هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم؟ فلان ؛ فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك : هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل ، لأنك ثنيت ذكره مجملا أوّلا ، ومفصلا ثانيا ، وأوقعت فلانا تفسيراً وإيضاحا للأكرم الأفضل فجعلته علما في الكرم والفضل ، فكأنك قلت : من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان ، فهو المشخص المعين لاجتماعهما فيه غير مدافع ولا منازع. والذين أنعمت عليهم : هم المؤمنون ، وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام ؛ (١) لأنّ من أنعم عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته واشتملت عليه. وعن ابن عباس : هم أصحاب موسى قبل أن يغيروا ، وقيل هم الأنبياء. وقرأ ابن مسعود : (صراط من أنعمت عليهم)
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) بدل من الذين أنعمت عليهم ، على معنى أنّ المنعم عليهم : هم الذين سلموا من غضب الله والضلال ، أو صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان ، وبين السلامة من غضب الله والضلال. فإن قلت : كيف صح أن يقع (غير) صفة للمعرفة وهو لا يتعرّف وإن أضيف إلى المعارف؟ قلت : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) لا توقيت فيه كقوله :
وَلَقَدْ أَمُرُّ على اللَّئِيمِ يَسُبُّنى (٢)
__________________
(١) قال محمود رحمه الله : وأطلق الانعام ليشمل كل إنعام. قال أحمد رحمه الله : إن إطلاق الانعام يفيد الشمول كقوله : إن إطلاق الاستعانة يتناول كل مستعان فيه ، وليس بمسلم فان الفعل لا عموم لمصدره ، والتحقيق أن الإطلاق إنما يقتضى إبهاما وشيوعا ، والنفس إلى المبهم أشوق منها إلى المقيد لتعلق الأمل مع الإبهام لكل نعمة تخطر بالبال
(٢) ولقد أمر على اللئيم يسبني |
|
فمضيت ثمة قلت لا يعنيني |
غضبان ممتلئ على إهابه |
|
إنى وربك سخطه يرضيني |
لرجل من بنى سلول ، ويسبني صفة للئيم وإن قرن بأل ، لأنه ليس المراد لئيما بعينه بدليل مقام التمدح فأل فيه للعهد الذهني لا الخارجي ، ومدخولها في المعنى كالنكرة ، فجاز وصفه بالجملة وإن كانت لا يوصف بها إلا النكرة ، وهذا يفيد اتصافه بالسب دائما لا حال المرور فقط وهو المراد ، وكان الظاهر أن يقول : فأمضى ثم أقول ، ولكن أتى بالماضي دلالة على تحقق ذلك منه ، وروى : فأعف ثم أقول : أى أكف عنه وعن مكافأته ، ويحتمل أنه أراد صررت على صبغه الماضي بالمضارع لحكايه الحال ، هذا والظاهر أن الجملة حالية ، أى : أمر على اللئيم حال كونه يسبني وأنا أسمع فأعرض عنه وأقول إنه لا يقصدني بذلك السب الذي سمعته منه ، وليس المراد وصفه بالسب الدائم ، لأنه لا يظهر مع تخصيص السب بوقوعه على ضمير المار ، على أنه يمكن جعل الحال لازمة فتفيد الدوام. هو غضبان ممتلئ جلده غضبا على لكن لا أبالى بذلك ، فانى وحق ربك غضبه يرضيني ، فليدم عليه وليزدد منه ، والإهاب : الجلد قبل دبغه بل وقبل سلخه كما هنا.