لملكوته وكبريائه ، وأن أحدا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام ، كقوله تعالى (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ)(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ما كان قبلهم وما يكون بعدهم. والضمير لما في السموات والأرض لأنّ فيهم العقلاء ، أو لما دل عليه (مَنْ ذَا) من الملائكة والأنبياء (مِنْ عِلْمِهِ) من معلوماته (إِلَّا بِما شاءَ) إلا بما علم. الكرسي : ما يجلس عليه ، ولا يفضل عن مقعد القاعد. وفي قوله (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) أربعة أوجه (١) : أحدها أنّ كرسيه لم يضق عن السموات والأرض لبسطته وسعته ، وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط ، ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد ، كقوله (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) من غير تصوّر قبضة وطىّ ويمين ، وإنما هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسىّ. ألا ترى إلى قوله (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ). والثاني : وسع علمه وسمى العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم. والثالث : وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك والرابع : ما روى أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السموات والأرض ، وهو إلى العرش كأصغر شيء. وعن الحسن : الكرسي هو العرش (وَلا يَؤُدُهُ) ولا يثقله ولا يشق عليه (حِفْظُهُما) حفظ السموات والأرض (وَهُوَ الْعَلِيُ) الشأن (الْعَظِيمُ) الملك والقدرة. فإن قلت : كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي (٢) من غير حرف عطف؟ قلت : ما منها جملة إلا وهي واردة على سبيل
__________________
ـ عبد الرزاق ترد عليه. لكنها موقوفة. وقد ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية وقال : يشبه أن يكون عكرمة تلقاه عن كتب اهل الكتاب. قال : وقد روى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة له عن سعيد بن جبير «أن بنى إسرائيل قالوا لموسى عليه الصلاة والسلام : هل ينام ربنا ، قال : وهذا هو الصحيح.
(١) قال محمود رحمه الله : «وفي قوله تعالى «وسع كرسيه السموات والأرض» أربعة أوجه ... الخ» قال أحمد رحمه الله : قوله في الوجه الأول أن ذلك تخييل للعظمة سوء أدب في الإطلاق وبعد في الإضرار ، فان التخيل إنما يستعمل في الأباطيل وما ليست له حقيقة صدق ، فان يكن معنى ما قاله صحيحا فقد أخطأ في التعبير عنه بعبارة موهمة لا مدخل لها في الأدب الشرعي ، وسيأتى له أمثالها مما يوجب الأدب أن يجتنب.
(٢) عاد كلامه قال : «فان قلت : كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي وما بالها لم تعطف بالواو؟ قلت : لأنها كلها في حكم البيان والبيان متحد بالمبين فدخول الواو بينهما ـ كما تقول العرب ـ دخول بين العصا ولحائها ، فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه ، والثانية لكونه مالكا لتدبيره ، والثالثة لكبرياء شأنه ، والرابعة لاحاطته بأحوال الخلق ، والخامسة لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها. وقد وردت آثار في تفضيلها. منها قوله عليه السلام «ما قرئت هذه الآية في دار إلا اجتنبتها الشياطين ثلاثين يوما ، ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة ، يا على علمها ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها» وعن على رضى الله عنه سمعت نبيكم على أعواد المنبر يقول «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد. ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله» وتذاكر الصحابة أفضل ما في القرآن فقال على أين أنتم من آية الكرسي ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا على ، سيد البشر آدم ، وسيد العرب محمد ولا فخر ، وسيد الفرس سلمان ، وسيد