(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)(٢٧٢)
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) لا يجب عليك أن تجعلهم (١) مهديين إلى الانتهاء عما نهوا عنه من المنّ والأذى والإنفاق من الخبيث وغير ذلك ، وما عليك إلا أن تبلغهم النواهي فحسب (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يلطف بمن يعلم أنّ اللطف ينفع فيه فينتهى عما نهى عنه (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) من مال (فَلِأَنْفُسِكُمْ) فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم (وَما تُنْفِقُونَ) وليست نفقتكم إلا لابتغاء وجه الله ولطلب ما عنده ، فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله؟ (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) ثوابه أضعافا مضاعفة ، فلا عذر لكم في أن ترغبوا عن إنفاقه ، وأن يكون على أحسن الوجوه وأجملها. وقيل : حجت أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما فأتتها أمها تسألها وهي مشركة ، فأبت أن تعطيها ، فنزلت. وعن سعيد بن جبير رضى الله عنه : كانوا يتقون أن يرضخوا لقراباتهم من المشركين. وروى أنّ ناسا من المسلمين كانت لهم أصهار في اليهود ورضاع وقد كانوا ينفقون عليهم قبل الإسلام ، فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوهم (٢). وعن بعض العلماء : لو كان شر خلق الله ، لكان لك ثواب نفقتك. واختلف في الواجب ، فجوز أبو حنيفة رضى الله عنه صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة ، وأباه غيره.
(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)(٢٧٣)
__________________
(١) قال محمود رحمه الله «لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين ... الخ». قال أحمد رحمه الله : المعتقد الصحيح أن الله هو الذي يخلق الهدى لمن يشاء هداه ، وذاك هو اللطف ، لا كما يزعم الزمخشري أن الهدى ليس خلق الله وإنما العبد يخلقه لنفسه. وإن أطلق الله تعالى إضافة الهدى إليه كما في هذه الآية ، فهو مؤول على زعم الزمخشري بلطف الله الحامل للعبد على أن يخلق هداه. إن هذا إلا اختلاق ، وهذه النزغة من توابع معتقدهم السيئ في خلق الأفعال وليس علينا هداهم ، ولكن الله يهدى من يشاء ، وهو المسئول أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ،
(٢) قوله «كرهوا أن ينفقوهم» لعله على تضمين الفعل معنى الإعطاء. أو لعله محرف وأصله ينفعوهم من النفع. (ع)