الجار متعلق بمحذوف. والمعنى : اعمدوا الفقراء ، واجعلوا ما تنفقون للفقراء ، كقوله تعالى (فِي تِسْعِ آياتٍ) ويجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف ، أى صدقاتكم للفقراء. و (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) هم الذين أحصرهم الجهاد (لا يَسْتَطِيعُونَ) لاشتغالهم به (ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) للكسب. وقيل هم أصحاب الصفة ، وهم نحو من أربعمائة رجل من مهاجرى قريش لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر ، فكانوا في صفة المسجد ـ وهي سقيفته ـ يتعلمون القرآن بالليل ، ويرضخون النوى (١) بالنهار. وكانوا يخرجون في كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى. وعن ابن عباس رضى الله عنهما : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على أصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال «أبشروا يا أصحاب الصفة ، فمن بقي من أمتى على النعت الذي أنتم عليه راضياً بما فيه فإنه من رفقائي في الجنة» (٢) (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ) بحالهم (أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) مستغنين من أجل تعففهم عن المسألة (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) من صفرة الوجه ورثاثة الحال. والإلحاف : الإلحاح ، وهو اللزوم ، وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه. من قولهم : لحفنى من فضل لحافه ، أى أعطانى من فضل ما عنده. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «إنّ الله تعالى يحبّ الحيىّ الحليم المتعفف ، ويبغض البذىّ السئال الملحف» (٣) ومعناه : أنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا وقيل : هو نفى للسؤال والإلحاف جميعاً ، كقوله :
عَلَى لَاحِبٍ (٤) لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِهِ (٥)
يريد نفى المنار والاهتداء به.
__________________
(١) قوله «ويرضخون النوى» في الصحاح : رضخت الحصى والنوى : كسرته ، ورضخت له رضخا ، وهو العطاء ليس بالكثير اه. (ع)
(٢) لم أجد ،
(٣) أخرجه ابن أبى شببة في الأدب من رواية ميمون بن أبى شبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا إلا أنه قال «ويبغض الفاحش البذيء» وقد روى موصولا ، والبزار من طريق محمد بن كثير الملائى عن ليث عن مجاهد عن أبى هريرة به ، في حديث أوله «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» وقال : لا نعلمه عن أبى هريرة إلا بهذا الاسناد اه وإسناده ضعيف. وقد رواه الطبراني من حديث ابن مسعود به ، وأتم منه وفي إسناده سوار بن مصعب ، وهو ضعيف وله طريق أخرى عن أبى هريرة أخرجها إسحاق في مسنده ، والطيراني في مسند الشاميين من طريقه قال : أخبرنا كلثوم بن محمد قال حدثنا عطاء بن أبى مسلم الخراساني عن أبى هريرة ـ فذكره مقتصراً على ما ذكره المصنف بمعناه. وأخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان وحمزة السهمي في تاريخ جرجان ، كلاهما من طريق عيسى بن خالد البلخي عن ورقاء عن الأعمش عن أبى صالح عن أبى هريرة بلفظ «إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته عليه ، ويكره البؤس والتبؤس ويبغض السائل الملحف ، ويحب العفيف المتعفف».
(٤) قوله «على لا حب» أى طريق واضح. أفاده الصحاح. (ع)
(٥) وإنى زعيم إن رجعت مملكا |
|
بسير ترى منه الفرانق أزورا |
على لا حب لا يهتدى بماره |
|
إذا سافه العود النباطي جرجرا |